الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

شبهتهم من العقل:

صفحة 500 - الجزء 1

  قلنا: ومن سلم لكم أن وقوع ما علم الله أنه لا يكون مستحيل، أوليس أن الله تعالى عالم أنه لا يقيم القيامة الآن وهو قادر على إقامتها الآن، وليس ذلك بمستحيل، وكذلك سائر ما علم أنه لا يفعله من الأفعال الممكنة في ذاتها، كإرسال نبي بعد محمد ÷، وإنزال كتاب وشريعة بعده ÷، وإنما المستحيل هو ما استحال لذاته، كالجمع بين الضدين والنقيضين، أو ما فقدت القدرة عليه، كخلقنا الأجسام والأعراض الضروريات، أو ما وجد فيه المانع الحسي، كجري المقيد بالحديد مع الخيل. وإنما قيدنا المانع بالحسي ليخرج المانع العقلي كقبح الكذب والظلم، فإنه مانع من صدورهما من الحكيم، وليس صدورهما مستحيلاً حتى يخرجا عن كونه تعالى قادراً عليهما، وكوجود الحكمة في أحد الممكنين⁣(⁣١)، كما مثل به في الآيتين الآتي ذكرهما من تأخير العذاب والقضاء إلى يوم الفصل، وكوجود الصارف في أحد الممكنين⁣(⁣٢) أيضاً، وهو المفسدة، كقوله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ}، وليخرج المانع الشرعي كالحيض، فإنه مانع من صحة الصلاة وليس وقوعها من الحائض محالاً، فإن هذه الوجوه المذكورة كلها لا تلحق الفعل بالمستحيل، وإنما يجب معها تركه.

  وبعد، فقد كان النبي ÷ يريد من أبي جهل وأبي لهب وسائر الكفار الإيمان، ومعلوم عدم وقوع ذلك من أبي جهل وأبي لهب وغيرهما من الكفار؛ فيلزمهم أنه ÷ قد أراد المستحيل، وذلك ذم له ÷؛ لأن من أراد المستحيل لا يعد من العقلاء.

  وبعد، فقد قال تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمْ الْعَذَابُ}⁣[العنكبوت ٥٣] {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ


(١) في (ب): الحكمين.

(٢) في (ب): الحكمين.