الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[شبهتهم من السمع:]

صفحة 501 - الجزء 1

  بَيْنَهُمْ}⁣[الشورى ١٤]، فأخبر أنه تعالى قادر على تعجيل ما علم أنه لا يكون معجلاً بل مؤخراً، فكيف يقال: إن ما علم أنه لا يكون مستحيل؟

  قالوا: الإرادة مطابقة للعلم، فما لا يعلم الله تعالى وقوعه لا يريده.

  قلنا: وكذلك يقال: الإرادة مطابقة للقدرة، فما لا يريده الله تعالى لا يقدر عليه أو لا يعلمه، أو ليس أن كل واحدة من هذه الصفات تتعلق بما لا تتعلق به الأخرى؟ فكونه تعالى عالماً أعمها تعلقاً؛ لأنه بكل شيء عليم، وذاته تعالى من جملة المعلومات، فدخلت في العموم، ثم أخص منها كونه قادراً؛ لخروج ذاته عن المقدورات، ثم أخص من الوصفين كونه مريداً؛ لأنه لم يكن مريداً لكل ما علمه ولا لكل ما قدر عليه، وهذا لاشك ولا خلاف فيه، فما شأن هذه المغالطات والتحكمات والجمع بين المتباينات بهدم المسلمات؟!

[شبهتهم من السمع:]

  وأما من السمع فقالوا: قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}⁣[الإنسان ٣٠].

  قلنا: مفعول المشيئة محذوف، فإما أن يُقَدَّر عامَّاً لكل ما يشاؤه، فهو باطل بقوله تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ}⁣[الأنفال ٦٧]، فأخبر تعالى أنه يريد غير ما يريدون، وإما أن يُقَدَّر خاصَّاً، فليس ما يمكن تعلق المشيئة به إلا ما ذكر في الكلام السابق قبلها، وقد ذُكِرَت هذه الجملة - وهي قوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} - في ثلاثة مواضع:

  أحدها: قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا}⁣[المزمل ١٩].

  ثانيها: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ}⁣[التكوير ٢٨].

  ثالثها: {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ١١ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ}⁣[عبس: ١٢ - ١١].

  فيقدر في الأولى وما تشاؤون اتخاذ السبيل، وفي الثانية وما تشاؤون الاستقامة، يعني على طريق الحق، وفي الثالثة وما تشاؤون الذكرى، وكل هذه