الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[شبهتهم من السمع:]

صفحة 502 - الجزء 1

  الثلاثة - اتخاذ السبيل والاستقامة والذكرى - طاعات وقُرَب مُقَرِّبة إلى الله تعالى، فأين ما يدل على مدعى الخصم أنه تعالى يريد المعاصي؟ فلا دلالة على ما يزعمه الخصم في ذلك البتة، والمعنى: وما تشاؤون اتخاذ السبيل والاستقامة على الحق والذكرى إلا والله تعالى يشاء ذلك منكم، فلا تيأسوا من قبول ذلك منكم، ولا تتكاسلوا عن العمل بموجبه.

  لا يقال: إن المعنى من ذلك: لا تشاؤون هذه الطاعات إلا إذا شاءها منكم، فإن لم يشأها فلا تشاؤونها، أي: لا تقدرون على مشيئتها.

  لأنا نقول: لو كان المعنى كذلك لوردت الآيات بكسر الهمزة، فتكون إن الشرطية، والآيات وردت بفتحها؛ فتكون أن المصدرية التي تسبك مع الفعل بعدها بمصدر، فيكون المعنى: وما تشاؤون هذه الطاعات إلا ومشيئة الله حاصلة وثابتة في ذلك.

  وبعد، فلو قلنا: إن الهمزة مكسورة ووردت قراءة بذلك فلا يقدح ولا متمسك للمخالف؛ لأن مشيئة الله تعالى قد حصلت في هذه الثلاثة وكلها طاعة، فلا دلالة في ذلك على مشيئته تعالى للمعاصي. وأما قول السائل: فإن لم يشأها فلا تشاؤونها فجوابه من وجهين:

  أحدهما: أن هذا أخذ بالمفهوم، والأخذ بالمفهوم لا يصح التمسك به في العقائد المطلوب فيها اليقين؛ لأنه لا يفيده.

  ثانيهما: مسلم أنه إن لم يشأها سبحانه فلا يشاؤونها، لكنا لا نسلم أن المعنى لا تقدرون على مشيئتها، بل المعنى: فإن لم يشأها فلا ينبغي أن تشاؤوها، ويكون المعنى: أن ليس المشيئة في تشريع تلك الطاعات أو غيرها من القرب إليهم، بل المشيئة في ذلك إلى الله تعالى، وهذا غاية الترغيب من الله تعالى في فعلهم تلك القرب المذكورة، والترهيب عن التشريع منهم ومن تلقاء أنفسهم ما لم يشأه منهم، ويكون