الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل]: في الكلام في أن الله تعالى لا يريد شيئا من المعاصي ولا يكره شيئا من الطاعات

صفحة 505 - الجزء 1

  عليه أولى من حملها على الوجه المختلف فيه؛ لأن ما أجمعت عليه الأمة فهو الحق، وما اختلفت فيه تطرق إليه الخطأ.

  وثانيهما: أنا لو حملناها على مشيئة الاختيار لوقع التناقض والتدافع بين هذه الآيات وبين ما مر من الآيات المحكمة الدالة على أن الله تعالى يريد الإيمان من جميع المكلفين، ويكره الكفر والعصيان من جميعهم، ولا يمكن تأويل تلك الآيات التي استدللنا بها كما أمكن تأويل هذه التي استدلوا بها، والجمع بين الآيات على الوجه المتفق على صحته أولى من الجمع بينها على الوجه المختلف فيه، وتكون فائدةُ الآيات السابقة - من قوله تعالى: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} ونحوها - الإخبار والدلالة على أن الله تعالى يريد الإيمان والطاعات من جميع المكلفين، ويكره الكفر والمعاصي من جميعهم، وفائدةُ هذه الآيات - من قوله: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} - الإخبار والدلالة على أنه تعالى قادر على أن يجبرهم ويقسرهم على فعل الإيمان والطاعات وترك الكفر والمعاصي، وحمل كلام الحكيم المتعدد على فائدة صحيحة في بعض، وأخرى في البعض الآخر - أولى من حمله على فائدة لا تصح في بعضه، وإخلاء البعض الآخر عن الفائدة أصلاً؛ لأن ذلك يلحقه بالهذر والهزء.

  فإن قيل: وحملكم هذه الآيات {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ} ونحوها على مشيئة الإجبار يُلحقها بالهذر؛ لأنه معلوم ذلك بلا نزاع، فلا ينبغي حملها عليه؛ لعروه عن الفائدة، فما أجبتم به في لزوم الهذر في هذه فهو جوابنا عما ألزمتموناه في تلك.

  قلنا: لا سواء؛ لأنا إذا لم نجعل تلك الآيات {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ


= التقدير: لو شاء لقسرهم على أن لا يشركوا، لكن ما شاء أن يقسرهم على عدم الشرك، وهذا المعنى متفق على صحته وإمكانه، فتحمل الآية عليه. (من خطه ¦).