الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل]: في الكلام في أن الله تعالى لا يريد شيئا من المعاصي ولا يكره شيئا من الطاعات

صفحة 506 - الجزء 1

  مَكْرُوهًا} ونحوها دالة على أنه تعالى يكره الكفر والمعاصي، ويريد الإيمان والطاعات من جميع المكلفين - لم يبق لها معنى البتة، بخلاف هذه الآيات {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ} ونحوها، فإنا إذا جعلناها دالة على قدرته تعالى على إجبار جميع الخلق على الإيمان وترك الكفر لم تعر عن الفائدة وأي فائدة. ويدل على أن المراد بها ذلك المعنى قوله تعالى تمام الآية خطاباً للنبي ÷: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}، أي: أفأنت تقدر على أن تكره الناس على الإيمان؟ لا لست بقادر، بل نحن القادرون على ذلك، لكن لا نفعله لمنافاته التكليف {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ}⁣[البقرة ٢٥٦]، {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}⁣[الكهف ٢٩]. يزيد ذلك وضوحاً قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمْ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الله}⁣[الأنعام ١١١]، فإنه تعالى لما أخبر عن فرط عنادهم وإصرارهم على الكفر وتوغلهم فيه بما أخبر من أنه لو أنزل إليهم الملائكة $ ينذرونهم، وجعل الموتى يكلمونهم بما قد وجدوه من الحق وبطلان الشرك، وحشر - أي: جَمَعَ - عليهم كل شيء مما في الأرض من الوحوش والحشرات والناطقات والصامتات والناميات وجميع الجمادات، وقاتلهم بها، أو جعل في كل منها آية ظاهرة لهم - ما آمنوا ولا كادوا أن يؤمنوا، فكان بعد هذا الإخبار عن عنادهم وإن وقع جميع ما ذكر من إنزال الملائكة ونحوه ربما يتوهم متوهم ممن لا يعرف إحاطة قدرة الله تعالى بجميع الممكنات أنه قد بلغ الحال إلى أن لا يقدر الله تعالى على إجبارهم وقسرهم على الإيمان، فرفع تطرق هذا التوهم بقوله ø: {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} أي: إلا أن يشاء أن يجبرهم ويكرههم عليه فهو على كل شيء قدير.