الغم:
  قلنا: حادث مع الجواز. ونعني بقولنا: «مع الجواز» أن حدوثه مع جواز أن لا يحصل؛ فلا بد من فاعل، وإلا لم يكن(١) بأن يقع أولى من أن لا يقع، ولا بأن يقع على وجه أولى من أن يقع على وجه آخر، ولا مختصاً بشخص وزمن أولى من أن يعم أو بشخص وزمن آخر، فلا بد أنه بفعل فاعل دون غيره من طبع أو مادة أو خاصية، وإن توقف حصوله في بعض الأوقات على تناول شيء من ذوات الطبائع والمواد والخاصيات، فليس ذاك هو المؤثر فيه، بل المؤثر في ذلك هو الله تعالى، وإناطته بذلك السبب وإزالته بشيء من الأدويات في بعض الأحيان لحكمة ومصلحة من جملة ما نحن بصدده.
الغم:
  وأدخلت الغموم مع الآلام في هذا الباب وإن لم تكن منها لأن العوض مستحق على الجميع. وحقيقة الغم: هو ما يحصل في النفس من الانكسار والانحطاط لحصول ضرر بالنفس أو بمن تحب أو نقص في المال. فإن كان ذلك قد حصل فهو الغم، وإن لم يكن قد حصل، وإنما يعلم أو يظن حصوله في المستقبل سمي مع ذلك خوفاً. وقولنا: «أو بمن تحب» يدخل في ذلك موت الأولاد وأمراضهم وسائر أقارب الرجل وما يملكه من الدواب، وما يحصل في إخوانه ومصافيه من سائر الناس.
  وما كان من الغموم متولداً عما يفعله الله تعالى من الأمراض والنقائص ونحوها فحكمه حكمها في استحقاق العوض عليه، وما كان متولداً من الجنايات الصادرة من العباد على نفس أو مال فحكمه حكمه في استحقاق العوض عليه أو عدمه؛ لأن فيها ما لا يستحق عليه عوض كالقصاص ونحوه.
(١) قوله: «وإلاَّ لم يكن بأن يقع أولى من أن لا يقع الخ» يعود إلى الجملتين السابقتين، فيكون التقدير: حادث مع الجواز، وإلا لم يكن الخ، فلا بد من فاعل، وإلاَّ لم يكن الخ. (من خطه ¦).