الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

معنى المصلحة:

صفحة 510 - الجزء 1

  وقد علم من هذا أن الألم ونحوه وما يتولد منه من الغم ينقسم إلى ضربين: ضرب من فعل الله تعالى، وضرب من فعل العبد. أما ما كان من فعل العبد فسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى، وأما ما كان فعل الله تعالى فقد أشار إليه # بقوله: (فإن قيل) لك أيها الطالب الرشاد (: فهل يفعل بعباده) من الأمراض والنقائص والآجال وبسط الأرزاق وقبضها والأسعار ونحو ذلك (ما هو مفسدة؟) وهي نقيض المصلحة والحكمة، وذلك كل فعل تضمن قبيحاً من ظلم أو كذب أو استخفاف بمنعم أو عبثاً أو سفاهة.

معنى المصلحة:

  والمصلحة: ما يعود إلى الحي من جلب نفع أو دفع ضرر: إما حَالِيٍّ كالدنيوية، وإما مآلي كالدينية، مع تعريه عن وجوه القبح المذكورة. ولا تكون المصلحة إلا للمخلوق، ولا تسند إلى الله تعالى إلا مع تعليقها بالعبد، كقولنا: مصلحة عباده، أو بالدين، كقولنا: يفعل الله كذا وكذا لمصلحة الدين. فإن حُذِف هذا القيد فالمعنى عليه، كقولنا: يفعل الله كذا لمصلحة يعلمها، مع اعتقاد تنزهه عن النفع ودفع الضرر.

معنى الحكمة:

  والحكمة: كل فعلٍ حسنٍ لفاعله فيه مقصد صحيح. قولنا: «كل فعل» جنس الحد. وقولنا «حسن» خرج به القبيح، وفعل الساهي والنائم؛ إذ لا يوصفان بحسن. وقولنا: «لفاعله فيه مقصد صحيح» يخرج ما فيه مقصد لا طائل تحته، فلا حكمة فيه، كمن يشغل نفسه بِعَدِّ الحصى التي لا نفع له ولا لغيره فيها، وإنما قصد بذلك ليعلم كميتها، فلا يوصف ذلك بالحكمة.

  لا يقال: قد خرج هذا بالفصل الأول؛ لأنه إذا كان كذلك كان عبثاً والعبث قبيح.

  لأنا نقول: إن قصده بعلم الكمية أخرجه عن العبث، ولو كان قبيحاً للزم