الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

الفلاح والمحنة والنعمة:

صفحة 513 - الجزء 1

  أحدهما: (اعتبار المكلفين). وحقيقة الاعتبار: هو ما يحدث في النفس من الدراية والوجل عند مشاهدة أو العلم بما يدعو إلى فعل الطاعة أو ترك المعصية. وإنما قلنا لا بد من الاعتبار (ليخرج) الألم (بذلك عن كونه عبثاً، وقد نبه الله) تعالى (على ذلك بقوله تعالى: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ}) أي: يمتحنون في كل سنة مرة بنقص إحدى ثمرتيها التي تكون إحداهما في أول الشتاء، ويعبر عنها في العرف بالصراب، والأخرى في أول الصيف وأواخر الربيع، ويعبر عنها بالقياض، أو مرتين بأن يقع نقص في كليهما معاً، ويحتمل غير ذلك من سائر الامتحانات، وليس المراد بذكر المرة أو المرتين القصر عليهما، فقد يكون الامتحان في جملة السنة أكثر من ذلك، وإنما المراد التنبيهُ بما هو كاف في التذكير والاعتبار ({ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ}⁣[التوبة ١٢٦])، وهذا نَقْمٌ وإنكار عليهم في عدم الاعتبار والتذكر المفضي إلى التوبة الموجبة للنجاة عن عقاب معاصيهم، أو المخلصة لهم والرافعة عنهم تلك المحنة.

  (و) الأمر الثاني: أنه (لا بد) مع ذلك الاعتبار (من العِوَض) للمُؤْلَم (المُوَفِّي) هكذا حفظناه وضبطناه عن النسخ والمشائخ بالياء بعد الفاء، ويمكن أن يكون بالراء «الموفر» لمناسبة قوله: (على ذلك بأضعاف مضاعفة) من دون احتياج إلى تقدير، أي: الموفي على ما يستحق على الألم والزائد على ذلك بأضعاف مضاعفة، أو يكون من باب التضمين؛ بأن يضمن الموفي معنى الموفر أو الزائد. وإنما كان التوفير بأضعاف مضاعفة لأنه مهما كان أنقص أو مساوياً لم يكن فيه مصلحة، غير أن قولنا: «بأضعاف مضاعفة» لا يقتضي معرفة المقدار الذي به يبلغ الحد اللازم الذي يخرج به عن لزوم خلو المصلحة والحكمة، فيقال كما هو عبارة بعض المؤلفين: بحيث لو خير العاقل بين ذلك الألم مع العوض المضاعف وبين تركه مع ترك العوض لاختار الألم قطعاً لما فيه من المصلحة له. ثم بين الدليل على لزوم