الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في البلاء والآلام وما يتصل بذلك

صفحة 517 - الجزء 1

  الكبيرة إنزاله للعقوبة والاعتبار، ولا يصح عنده # إنزاله بصاحب الكبيرة للعوض؛ إذ لا عوض له، ولا للتعريض لثواب الصبر من دون توبة، ولا لحط السيئات من دون توبة؛ لعدم قبول الطاعة من صاحب الكبيرة وعدم التكفير في حقه، خلافاً لرواية المهدي # عن العدلية، فقالوا: لا بد من العوض يكون بالحط من عقاب ذنوب السيئات وتخفيفه عن الكافر والفاسق. واحتج القاسم # لعدم التخفيف بقوله تعالى: {ولا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا}⁣[فاطر ٣٦]، ولعدم الثواب والعوض بقوله تعالى: {وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}⁣[الأعراف ٤٠]. قال المهدي #، ومثله حكاه شيخنا | عن المؤيد بالله #: ويقسط التخفيف على أوقاته تقسيطاً لا يشعر بموضع التخفيف منه.

  قلت: وفي اشتراط عدم الشعور بذلك نظر؛ لأنه لو أشعر المعذب بما أسقط من عقابه بمقابل ما وقع عليه من الألم في الدنيا لكان ذلك أبلغ في الحكمة؛ لما في ذلك من تنزيه الله تعالى أن يكون ذلك الألم ظلماً له وعبثاً، وأما تعليلهم عدم الإشعار بأنه لو أشعر لفرح بذلك فلا وجه له؛ إذ لا فرح مع بقائه في النار، وإن فرض على بعده بل استحالته فلا مفسدة فيه، بل المفسدة في عدم إشعاره بما خفف من عذابه المستحق لو لم يؤلم. والاحتجاج بظاهر الآية على عدم التخفيف رأساً فيه نظر أيضاً؛ إذ يمكن حملها أن المعنى لا يخفف عنهم مما قد استحق بعد المساقطة لما يجب في مقابل الأمراض ونحوها مما وقع بهم في الدنيا. وأما العوض بالمنافع والتعريض لثواب الصبر عن الألم فإن علم الله سبحانه وتعالى أنه سيكون من صاحب الكبيرة التوبة النصوح فلا مانع من حسن إنزاله لأيهما أو لمجموعهما وإن تأخرت التوبة، وإلا فلا ولا دلالة في الآية الأخرى على منع هذه الصورة، والله أعلم.