الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

مسألة:

صفحة 525 - الجزء 1

  ويكون ذلك لطفاً للملائكة $ ومن أعلم بذلك من نبي أو بُلِّغَه عن النبي، فيكون الاعتبار والالتطاف في حقهم باعتبار انكشاف الموافقة والمطابقة لما كتب في ذلك اللوح، وفي حق غيرهم باعتبار علمهم أو ظنهم ثبوت ذلك في علم الله تعالى أو كتبه على الجملة؛ لأن جميع ذلك داع إلى الاعتبار والالتطاف لمن لم يجعل الدنيا نصب عينيه وأكبر همه، ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا}⁣[فاطر ١١]، {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}⁣[فاطر ١١]، وفي الآية سؤلان لا بأس بالتعرض لهما تكميلاً للفائدة:

  أحدهما: أن يقال: كيف قابل قوله: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ} بقوله: {وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} مع أن النقصان يقابل بالزيادة لا بالتعمير؟

  وجوابه: أن المراد بقوله: {وَمَا يُعَمَّرُ} أي: ما يزاد في عمر أحد قد عمر العمر الغالب في الناس، ولا ينقص عن ذلك العمر الغالب، فيكون قد قابل النقصان بالزيادة، وهذا لا إشكال فيه، أو يكون المعنى لا يزاد في عمره المحدود له إذا فعل ما لأجله يزيده الله عمراً من صلة الرحم، أو ينقص عنه إذا فعل ما لأجله ينقصه الله عن ذلك العمر من قطيعة الرحم، كما ورد في الحديث: «إن صلة الرحم منساة في الآجال وزيادة في الأعمار»، وهذا بناء على أن المفروض والمعلوم أن لكل ممن وصل رحمه أو قطعه أجلان: أحدهما مشروط بالصلة أو قطعها، والآخر بخلافه، وفيه ما فيه، ولا مانع، والله أعلم.

  وثانيهما: أن يقال: كيف قال تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} مع أن المعمر لا يعمر؛ لأنه كتحصيل الحاصل وإماتة الميت وإحياء الحي، ومع أن من قد عمر ومضى من عمره ما مضى أو انقضى عمره بالموت لا يتأتى النقص في حقه؟