الأرزاق
  قلت: وأيضاً فإن فيها وفي بسطها لبعض الخلق وتقتيرها على البعض الآخر، واختلاف وجوه تناولها؛ حيث تيسر لبعضهم بالتجارة، وبعضهم بالنجارة، وبعضهم بالحراثة ونحو ذلك، ولو حاول الانتقال عن تلك الحرفة لتعذر عليه أو تعسر - ففي جميع ذلك من الاعتبار والألطاف ما لا يُعلم كنهه إلا لمن تدبر، قال تعالى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ}[النحل ٧١]، وقال تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}[النساء ٣٢].
  وأيضاً فإن في تقتيرها وبسطها واختلاف أحوال الخلق بالنسبة إليهما من البلوى والامتحان ما عنده يجب الصبر والشكر اللذين ينال بهما الثواب، وفيما شرع من الإنفاق من الرزق في وجوه البر كالزكاة وصدقة النفل، والإنفاق على النفس والعائلة والأقارب وسائر الخلق، وكالإنفاق في الجهاد واتقاء الوافد وإصلاح الطرقات والمناهل، وكالعتق والوقف وسائر وجوه الخير - كل ذلك تعريض للمكلف وتيسير لمقتضى الثواب الدائم.
  إذا عرفت ذلك علمت أن الحرام لا يدخل في مسمى الرزق؛ لأنه منهي عن تناوله والانتفاع به، وهذا قول العدلية كافة.
  وقالت المجبرة: بل يدخل فيه الحرام والحلال، وإنه يستعمل في مجرد الإعطاء، أعم من أن يكون حراماً أو حلالاً.
  قلنا: لا نسلم أنه في مجرد الإعطاء، بل في الإعطاء من الحلال فقط.
  وبعد، فلم تطلقه أئمة اللغة إلا على الإعطاء من الحلال، ذكر ذلك الإمام المهدي وسيد المحققين @.
  وبعد، فلئن سلمنا على التنزل أنه في مجرد الإعطاء نظراً إلى أصل اللغة فما المانع من أنه قد نقل في الشرع إلى الإعطاء من الحلال دون الحرام؟ دليله: أن الله تعالى قد ندب ومدح على الإنفاق من الرزق، وهو تعالى لا يندب ولا يمدح من أنفق من الحرام.