الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

الأرزاق

صفحة 529 - الجزء 1

  ولكنه خالف أمر الله تعالى وترك الحلال وعمد إلى الحرام؛ فأُتي من جهة نفسه، فأين لزوم أن الله تعالى لم يجعل له رزقاً لو ترك الحرام؟ وأما لزوم أن المغصوب عليه لم يأكل رزقه فغير قادح؛ إذ لا نزاع أن المتصدق به ونحوه من الحلال رزق⁣(⁣١) لمن أعطاه الله إياه وإن لم يأكله، بل تصدق به أو أعتق أو نحو ذلك من وجوه البر.

إلزام:

  يقال لهم: إذا كان الحرام رزقاً فليس بأن يترك أولى من أن يتناول؛ لأن النهي وإن دل على المنع فإن الإعطاء أدل منه على الإباحة، ألا ترى أن السيد إذا نهى عبده عن أكل شيء دل على المنع، وإذا أخذ السيد ذلك الشيء وأعطاه العبد دل على إباحة أكله له، فيلزم تحليل كل ما تناوله الظالم من مظلمة أو رباً أو تطفيف كيل أو نحوه بمجرد التناول، ويلزم رفع التحريم بأسره في جميع المحرمات على أصلهم المنهار: أنه تعالى خلق أفعال العباد.

فرع:

  والرازق والرزاق هو الله تعالى لا غيره؛ لأن غيره وإن صدق عليه أحد معنيي الرزق - وهو الإعطاء - فلا يطلق عليه اسم رازق أو رزاق؛ لأن هذين الاسمين عند الإطلاق لا ينصرفان في الأفهام إلى غيره تعالى، فكأنهما قد صارا حقيقة دينية أو عرفية عامة فيمن فعل الإعطاء مستمراً، أو من أوجد الأعيان والمعاني المرزق بها، ويصير حالهما كحال الرحمن والرحيم، فإنهما وإن اشتقا من الرحمة وهي من الصفات الحاصل معناها في المخلوق حقيقة، فلا يوصف غيره تعالى بالرحمن


(١) في الأصل: رزقًا.