الأرزاق
  والرحيم؛ لأنهما قد اختصا بالله تعالى حقيقة دينية أو مجاز عقلي، على خلاف بين أئمتنا $ ومن وافقهم. وأما قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[الجمعة ١١] فالمراد المعطين، والاسم الشريف واسم التفضيل مع الإضافة وصيغة الجمع سوغ إطلاق رازق على غيره تعالى؛ إذ ليس في ذلك وهم خطأٍ كما في إطلاق الرازق على غيره تعالى معرفاً أو منكراً، فلا يقال فلان الرازق أو فلان رازق؛ لإيهام الأول الحصر والدوام والثبات، وإيهام الثاني الأخيرين، فلا يجوزان على غيره تعالى، وأبلغ منهما في عدم الجواز الرزاق ورزاق؛ لما فيهما من المبالغة.
فرع:
  وقد ينسب الرزق إلى غيره تعالى، كقوله تعالى: {فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ}[النساء ٨]، قال النجري - وهو ظاهر عبارة القلائد -: مجاز. وقال السيد هاشم: بل حقيقة بالمعنى الآخر من معنيي الرزق، وهو الإعطاء. ذكر معنى ذلك في تعليقه.
  قلت: الأظهر - والله أعلم - أنه إذا كان الرزق يستعمل في اللغة حقيقة بمعنى الإعطاء فالحق ما قاله السيد هاشم |، ويكون مشتركاً، وإن كان لا يستعمل إلا في العين المرزوق بها فالحق ما قاله النجري |. وقد قال شيخنا أحمد بن محمد الجرافي رحم الله مثواه في حاشيته على الإرشاد الهادي ما معناه: الذي في كتب اللغة أن مصدر رزق الرَّزق بفتح الراء، وأن الرزق - بالكسر - اسم المرزوق، فأفهم كلامه ¦ أن الرزق - بالكسر - لا يستعمل إلا في الأعيان المرزوق بها، واستعماله في الإعطاء مجاز.
  ويتفرع على هذا هل الرزق ليس إلا من الله تعالى فقط، أو يكون من الله ومن العبد حقيقة؟ من الله تعالى بالمعنيين معاً، ومن العبد بمعنى الإعطاء حقيقة فيما كان بلا عوض، كالمعطى بالهبة والصدقة ونحوهما فتسمى رزقاً، فيطلق الرزق على الهبة والصدقة حقيقة.