الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

الأرزاق

صفحة 531 - الجزء 1

  وحينئذ لا نزاع بين العدلية أن الرزق يسند إلى العبد على الجملة، وأنه فاعل حقيقة لنفس الفعل الذي هو الهبة والصدقة، وإنما النزاع هل يسند إلى العبد حقيقة بمعنى كونه المعطي، أم مجازاً كشربت الإثم، وقد قال تعالى: {فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} والأصل الحقيقة، ولكن محل النظر إذا قلنا: إن ذلك من باب المجاز، فهل التجوز في الإسناد أم في تسمية فعلهم رزقاً؟ فالأول لا قائل به من أهل العدل، وخالف في ذلك المجبرة بناء على أن أصل الفعل من الله تعالى. والثاني هو مقتضى كلام النجري، ولعل المجبرة لا ينازعون فيه، وهو أمر وراء محل النزاع بين الفريقين، ومقتضى كلام السيد هاشم أنه لا تجوز في الآية أصلاً: أما الإسناد فهو حقيقي، وأما أن ما فعلوه يسمى رزقاً فهو حقيقة بمعنى الإعطاء، وحينئذ فإطلاق حكاية الخلاف عن المجبرة والاحتجاج عليهم بلزوم عدم استحقاق الثواب في الصدقة ونحوها يحتاج إلى تأمل وتفصيل: هل المراد الخلاف الراجع إلى اللفظ، وهو أنه يسمى ما صدر من جهة العبد من الهبة والصدقة رزقاً؟ فالاحتجاج غير صحيح؛ لأن المبحث حينئذ لغوي، ولا تثبت اللغة بالحجج العقلية، بل بالوضعية، ومع ذلك يصير البحث قليل الجدوى؛ إذ لا مشاححة في اللغة. أم المراد بالخلاف الراجع إلى المعنى، وهو أن العبد فاعل للفعل الصادر من جهته وهو الإعطاء، فالاحتجاج صحيح، غير أن المسألة - كما في القلائد وشرحها، وكما في الأساس وشرحه - مسوقة في أنه لا يقدر على الرزق إلا الله تعالى، وأنه يطلق اسم الرازق على غيره مجازاً، ففي الكلام ما فيه.

  ويمكن الجواب عن ذلك بأن هذا من باب التوزيع - وهو نوع من البلاغة والبديع - بأن يرجع بعض المباحث المتعاقبة بعد اللفظ المتقدم بعضها إلى اللفظ وبعضها إلى المعنى، ويعتمد في توزيع كل منها وإرجاعه إلى اللفظ أو إلى المعنى على فهم المخاطب، والله أعلم.