الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[التكسب]

صفحة 533 - الجزء 1

  قلنا: أما من قال بوجوب الأصلح على الله تعالى - وهم البغدادية - فالسؤال وارد عليه، وأما من لم يوجبه - وهم أئمتنا $ ومن وافقهم من البصرية - فلهم أن يجيبوا بأن البغي والفساد ليس لازماً لوجود المال حتى يقطع بأن وجوده سبب للمفسدة، ومن الجائز أن الله سبحانه إنما أعطى المال ذلك الشخص لينعم به عليه، ويتعبده بالإنفاق في القُرَبِ المُقَرِّبَةِ فيسببه للثواب الجزيل، بل ذلك هو الأظهر، بل الواجب القول به، ولكن ذلك العبد أتي من جهة نفسه بمخالفة ما ندبه الله إليه من الإنفاق بأن صرفه إلى المعاصي.

  لا يقال: فيلزم نزعه من يده عند أن أخذ في الإنفاق في المعاصي.

  لأنا نقول: تبقيته في يده وتمكينه من إنفاقه في القرب شرط التعبد والتكليف بإنفاقه في البر، وانتزاعه أو بعضه من يده جائز، ثم {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا}، فظهر أن نزعه من يده على سبيل الوجوب لا وجه له؛ لأن النهي عن إنفاقه في المعاصي كاف في الزجر.

[التكسب]:

  مسألة: والتكسب - أي: السعي في طلب الرزق - جائز، بل قد يجب، وذلك في حق من لم يكن عنده من المال ما يسد فاقته وعائلته، فيجب عليه السعي وطلب الحلال من باب ما لا يتم الواجب إلا به، وكون الله سبحانه وتعالى قد تضمن أرزاق العباد لا ينافي وجوب السعي؛ إذ من الجائز أنه تعالى تضمن تيسيرها وتسخيرها وخلق الأعيان المرزوق بها عند السعي والطلب. وقد يكون التكسب مندوباً، وذلك لطلب الزائد على ما سد الفاقة إرادة إنفاقه في وجوه البر والإفضال على النفس والعائلة بما جرت العادة بمثله لمثله من الفضلات، ولإظهار نعمة الله سبحانه وتعالى، والتجمل بذلك عند الناس. وقد يكون محظوراً حيث كان القصد بجمعه المكاثرة والمفاخرة التي لا حاجة لها، وكمن يريد إنفاقه في المعاصي، وكمن