الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

الألطاف

صفحة 537 - الجزء 1

  وقد عرف من هذه الحدود أن اللطف أمر زائد على التكليف وعلى نفس الطاعة ونفس المعصية. وقيل في حده: هو أن يفعل المكلف ما كلفه لكونه كلفه من دون إلجاء لا محالة. ويفهم من هذا أن اللطف نفس فعل الطاعة على الوجه المذكور من كونه فعلها لأجل كونه كلف بها، لا لأجل سمعة ومباهاة، ولا للتوصل بها إلى غرض دنيوي، نحو أن يقصد أن يحظى عند الملك ويشتهر عند الناس بالفضل فيعطونه الصدقات والهبات ونحو ذلك. وحيث قد اختلفت عباراتهم في حده فلا بد من الكلام الموضح لنفس اللطف بالمثال فنقول:

  مثاله: إذا سمع الإنسان رعداً أو رأى برقاً فلأجله تفكر وعلم ثبوت الصانع ø وسبحه، فإن ذلك السماع والرؤية لطف لهذا المكلف في فعل الطاعة، وهو التفكر والمعرفة والتسبيح؛ لأن كلها طاعة فعلت لأجل السماع والرؤية، ثم التفكر لطف في المعرفة، والمعرفة لطف في التسبيح؛ لأن لكل حظ في الدعاء إلى ما يليه. وكذلك فيمن دخل وقت الصلاة عليه وهو في شغل فلم يخطر بباله فعل الصلاة، فسمع المؤذن وأجاب إلى فعل الصلاة لوجوبها عليه، فسماعه المؤذن لطف له. وكفعل الصلاة فإنها لطف في اجتناب الفحشاء والمنكر، وكفعل التقوى فإنها لطف في معرفة الحق وتنوير البصيرة، وكذلك إذا نظر العاقل إلى فعل الصبي والمجنون وأكاليمهما الصادرة على خلاف الصواب، أو نظر بهيمة تعدو على غيرها وتفترسه أو تجني عليه، فيتفكر في حال نفسه أو غيره من سائر العقلاء، فيظهر له عظم نفع العقل وعظم الإنعام به على العاقل؛ حيث كان وجوده مانعاً عن صدور مثل ما شاهده من الصبي والمجنون والبهيمة من المفاسد - كالكذب والظلم والسفه - وجالباً إلى فعل المصالح الدينية والدنيوية، إلى غير ذلك من الأمثلة التي يكون فيها ما يقتضي التحضيض والترغيب والدعاء إلى فعل الطاعة - ويسمى لطف توفيق - أو إلى ترك المعصية - ويسمى