الألطاف
  لا يقال: هذا لا يرد إلا على قول من يقول: إن اللطف عنده يفعل الملطوف فيه لا محالة، دون من يقول: أو يكون أقرب إلى فعله؛ إذ قد فعل الله بكل عاص ما يكون أقرب إلى فعل الطاعة، فأُتي في تركها من جهة نفسه.
  لأنا نقول: بل هو وارد على الجميع؛ لأن قولهم: أو يكون أقرب إلى الفعل لا يخلو: إما أن يكون حصل معه الفعل الملطوف فيه - عاد إلى القسم الأول، أو لا صار وجوده كعدمه؛ فليس بلطف، ولأن فعل ما يكون أقرب معه إلى فعل الطاعة مع إمكان ما تفعل معه الطاعة لا محالة لا تسقط به العهدة والخروج عن الواجب حيث لم يؤثر في اللطفية، بل يجب العدول عنه إلى ما يؤثر في حصولها لا محالة، فكان يلزم ما ذكرنا أن لو وجب اللطف لما وجد عاص ولا معصية، ولا فقدت طاعة.
  وقد أجابوا على هذا الدليل بأن قالوا: ليس كل مكلف به من الأفعال يجب أن يكون له لطف، بل في التكاليف ما لا لطف فيه، ولا مقدرة لله تعالى على فعل ما يلتطف به فيه؛ وحينئذ فعدم حصول الطاعة ليس للإخلال بما هو لطف فيها، بل لعدم دخوله تحت القدرة والإمكان.
  والجواب: أن هذا كما يقال: العذر أقبح من المعتذَر عنه، بَيْنَا هُم يريدون تنزيه الله سبحانه عما يقدح في عدله وحكمته إذ ارتكبوا ما يقدح في قادريته.
  ولعل لمتشبث بهذه المقالة أن يستظهر لها بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ ٩٦ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ٩٧}[يونس]، وبقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمْ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا}[الأنعام ١١١].
  قلنا: ليس في الآيتين زيادة على الإخبار بأنهم لا يؤمنون عند وقوع تلك الآيات لو وقعت، ولا دلالة فيهما على أنه تعالى ليس له قدرة ولا حيلة على فعل ما فيه