الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[هل يصح أن يتقدم اللطف على الملطوف فيه وأن يكون من فعل غير الله]

صفحة 543 - الجزء 1

  لطفهم، بل هو على كل شيء قدير، غير أنه لم يفعله لهم لعدم وجوبه بعد فعل ما يزيح علتهم، وهو الأمر بالمكلف به، والتمكين من فعله، ودفع المفاسد الصارفة عنه، وترادف الحجج بالتحذير والتبشير على ألسنة الرسل ومن يبلغ عنهم، كما قال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}⁣[النساء ١٦٥]، ولم يقل: لئلا يكون للناس على الله حجة بعد إبلاغ الجهد فيهم.

  لا يقال: إن الإلزام مشترك؛ لأنكم قلتم: إن الجواد الكريم يفعله قطعاً، فيلزم أن لا توجد معصية ولا تفقد طاعة.

  لأنا قلنا: يفعله قطعاً لمن يستحق، دون من يصر ويستمد في طغيانه ويستمر على عصيانه فيستحق الخذلان، وهو عدم اللطف لا غير، ويصير كعدم تنوير القلب والهدى الزائد على القدر الواجب بمقتضى التكليف، بخلاف قول القائلين بوجوب اللطف، فإنهم أوجبوه في حق كل مكلف سيطيع، وجعلوا لطف من سيصر ويموت على كفره أو فسقه غير مقدور لله تعالى، فلا يتعلق به وجوب، وإنما يتعلق الوجوب فيمن له لطف، وقد عرفت ما يرد عليه من أن العذر أقبح.

[هل يصح أن يتقدم اللطف على الملطوف فيه وأن يكون من فعل غير الله]:

  واعلم أن المعتزلة ومن وافقهم في وجوب اللطف قد تكلموا على مسائل وأطراف من الخلاف بينهم مبنية على القول بوجوب اللطف، فلا حاجة بنا إلى ذكرها خشية التطويل، ولكنا نذكر ما لا بد منه مما لا يتفرع على القول بالوجوب، ومن أراد الازدياد فعليه بمنهاج القرشي والغايات وغيرهما من بسائط الفن، فنقول: