[هل يصح أن يتقدم اللطف على الملطوف فيه وأن يكون من فعل غير الله]
مسألة:
  يصح في اللطف أن يتقدم على الملطوف فيه بأوقات ما لم يكن في حكم المنسي، ويصح فيه أيضاً أن يكون من فعل الله تعالى، وأن يكون من فعل المكلف نفسه، وأن يكون من فعل مكلف آخر كالمؤذن، وأن يكون من فعل غير مكلف كالصبي والمجنون والبهيمة، وما تفعله الحرشات والأفاعي والأسود وسائر السباع المفترسة، كما يظهر ذلك من الأمثلة السابقة في أول هذه المباحث، خلافاً لقوم في الطرفين فقالوا: لابد أن يقارن اللطف الملطوف فيه، وأن يكون من فعل الله تعالى لا من فعل غيره.
  لنا: حصول الالتطاف بما مضى من إهلاك الأمم الماضية والقرون الخالية. ومتى قيل: إن اللطف إنما هو في العلم بذلك، وهو مقارن للملطوف فيه أو متقدم بما لا يضر التقدم به مع استمراره إلى عند فعل الملطوف فيه.
  قلنا: العلم هو بمثابة الطريق الموصلة إلى الوقوف على ما به الالتطاف من الإهلاك، فهو بمنزلة مشاهدة الحاضر مما فيه لطف، لا بمنزلة وجوده وحضوره في ذاته.
  ولنا أيضاً: حصول الالتطاف بالمواعظ والتذكير، وبما يفعله الغير من الطاعات فيقتدى به، أو من المعاصي فيقام عليه حد أو تعزير فينزجر مكلف آخر عن مثل تلك المعصية، وبما يحصل من الاعتبار والتفكير والتذكير لنعمة العقل عند مشاهدة أفعال الصبيان والمجانين وسائر الحيوانات، وكل ذلك فعل الغير.
  ومتى قيل: بل اللطف في العلم بذلك وهو فعل الله تعالى.
  فجوابه: ما تقدم، على أنه لا يصح أن يكون العلم من فعل الله تعالى إلا الضروريات دون الاستدلاليات، فهي متولدة من النظر الصحيح الذي هو فعل الناظر.