[هل يصح أن يتقدم اللطف على الملطوف فيه وأن يكون من فعل غير الله]
  لعنادهم وإصرارهم وعدم إصغائهم وانقيادهم لما بلغتهم الرسل ودعتهم إليه وبينوا ورغبوا ورهبوا وبشروا وأنذروا، لا عقوبة كما يقول الحاكم وظاهر عبارات الزمخشري وغيرهما، كالجلال والسيد هاشم بن يحيى والسيد محمد بن إسماعيل الأمير وغيرهم، ولا لعدم اللطف كما يظهر من كلام المهدي # وغيره من الزيدية والمعتزلة. وقد أخذ القائلون بأن ذلك عقوبة بظواهر آيات من الكتاب العزيز، نحو قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ}[المائدة ٤١]، وقوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}[الأنعام ١٢٥]، وقوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[الصف ٥] {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ}[النساء ١٥٥].
  والجواب: أنه لا دلالة في الآيات المذكورة على أن ذلك عقوبة لهم، أما قوله: {لَمْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} فغايتها لم يفعل لهم اللطف المفضي إلى التطهير، فمن أين أن ذلك عقوبة؟ بل لعدم لزومه واستحقاقهم إياه. وأما قوله: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ} فمعناه من يرد أن يحكم عليه أو يسميه بالضلال فلا يعطه التنوير في القلب المقتضي للّطف، فيبقى صدره ضيقاً لا يتسع لمعرفة الحق والاصطبار على النظر في وجه الحق، فمن أين أن ذلك عقوبة؟ ومثل معناها معنى قوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} إلا أنه سمى عدم اللطف زيغاً في الثاني مشاكلة للأول. وقوله: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} ليس الطبع على حقيقته اتفاقاً، وقوله: {بِكُفْرِهِمْ} وإن أفادت الباء السببية ظاهراً فيحتمل التسبيب لعدم اللطف، وليس كل مسبب هو عقاب عن سببه، بل في المسببات ما لم يكن عقاباً وفيها ما هو عقاب، والدلالة العقلية التي ذكرناها تمنع أن يكون ذلك عقاباً، وتعين أن عدم فعل اللطف ليس عقوبة ولا لعدم إمكانه. وقد تأول الإمام المهدي # الآيات المذكورة ليردها إلى القول بوجوب اللطف