نبوة محمد ÷
  وقال أبو القاسم البلخي - قال الإمام: وهو الأقرب -: إن ذلك لا يصح؛ لأن النبوة تكليف، ولا تكليف في المهد؛ لعدم التمييز والقدرة، إلا أن يجعلهما الله له فلا بأس؛ لأن الله تعالى على كل شيء قدير. وقرر هذا الشارح بقوله: وأما كلام عيسى # فإنما كان في تلك الحال لبراءة مريم & من الريب، ثم رجع إلى حال الأطفال حتى بلغ وقت تكليمهم فتكلم، فلما كمل عقله بُعث رسولاً. ومثل هذا ذكره الإمام القاسم بن علي العياني # والزمخشري وغيرهما.
  قلت: الأول يدل عليه ظاهر قول عيسى: {وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا}[مريم ٣١، ٣٠]، أي: مدة حياتي، إلا أنه لعدم نقل أنه # قام بأعباء النبوة ونهض لمباشرة أعمالها وتحمل أثقالها - يمكن تأويل الآية على تنزيل ما سيحصل منزلة الحاصل، والله أعلم.
نبوة محمد ÷
  وإذ قد كمل الكلام على ما يتعلق بالنبوة من حيث هي، فلنتكلم على معظم الغرض المقصود منها، وهو الكلام في نبوة نبينا محمد ÷.
  قال #: (فإن قيل) أيها الطالب الرشاد (: قد أكملت معرفة ربك) حق معرفته بما مر ذكره من مسائل التوحيد ومسائل العدل (فمن نبيك؟) وقد سبق شرح معنى الرب في أول التوحيد، ومعنى النبي في أول الباب حيث قلنا في حد النبوة: هي وحي الله إلى أزكى البشر الخ، فعلم أن النبي إنسان أوحى الله إليه بشرع. وخالف في معنى ذلك قوم من أهل الإلحاد والزيغ، فقالت الفلاسفة: هو المختص بنفس هي أشرف النفوس، لها قوة تَقْبل من العقول أكثر مما تفيضه على غيرها، فتطالع الغيوب في اليقظة كما تراه سائر النفوس في النوم. وهو بناءٌ منهم على نفي الصانع المختار، وتوصل إلى توجيه ما جاء به الأنبياء $ من المعجزات إلى أن ذلك من قبيل شرف النفس - يعنون نفس ذلك الإنسان -