نبوة محمد ÷
  وقبولها من العقول والأفلاك والنفوس ما لم يقبله غيرها، على حسب هوسهم الذي التجؤوا إليه لنفيهم الصانع.
  وقالت الباطنية: إن النبوة فيض من النفس الكلية - التي هي عبارة عن جملة العالم مع السابق والتالي والعقول والأفلاك - إلى النفس الجزئية - التي هي عبارة عن نفس محمد ÷ أو غيره من سائر الأنبياء - فيظهر لهذه النفس ما لم يظهر لغيرها من العلوم بالمغيبات. وهو راجع إلى قول الأولين إلا أنه يخالفه في العبارة.
  وقالت المطرفية: إن النبوة مكتسبة بالطاعة، فمن أراد أن يكون نبياً اجتهد في الطاعة.
  (فقل:) نبيي (محمد ÷) وهذه المسألة هي الجامعة بين جميع فرق الإسلام، والفارقة بينهم وبين غيرهم من فرق الكفر، وهي ثانية الشهادتين اللتين هما سور الإسلام؛ فيجب اعتقاد ذلك على كل مكلف.
  (فإن قيل لك:) هذه دعوى (فما برهانك على ذلك؟ فقل: لأنه جاء بالمعجز عقيب ادعائه النبوة، وكل من كان كذلك فهو نبي صادق) والمعجز: مأخوذ من العجز، قال في الأساس: هو ما لا يطيقه بشر، ولا يمكن التعلم لإحضار مثله ابتداء، سواء دخل جنسه في مقدورنا كالكلام، أم لا كقلب العصا حية. وقال القرشي: هو الفعل الخارق للعادة المتعلق بدعوى المدعي للنبوة على جهة المطابقة.
  وكلا الحدين لا يخلو عن نظر؛ أما الأول فلعدم ذكر ما يخرج سائر أفعال الله تعالى التي لا تعلق لها بالنبوة، كإنزال الأمطار ومجيء الليل والنهار، فيزاد: المتعلق بدعوى المدعي للنبوة. وأما الثاني فيقال: ما المراد بالعادة؟ هل ما يعتاده الخلق المرسل إليهم؟ أو ما يعتاده الرسول؟ أو ما جرت به العادة من فعل الله تعالى؟ والإبهام في التعريفات لا يصح، ولأنه لم يخرج منه السحر، وأما الأول فخرج من