الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

نبوة محمد ÷

صفحة 569 - الجزء 1

  قوله: ولا يمكن التعلم لإحضار مثله، فالحد الأول أصح مع الزيادة المذكورة.

  وله شروط أربعة:

  الأول: أن يكون من فعل الله تعالى أو ما يجري مجرى فعله، فالأول كقلب العصا حية وتسليم الحجر والشجر، والثاني كما حكى الله تعالى في خطابه لعيسى #: {تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ}⁣[المائدة ١١٠]، {وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي}⁣[المائدة ١١٠]، وكتكليم الحيوانات التي لَيس من شأنها الكلام نبينا ÷.

  الثاني: أن يتعذر على الخلق مثله؛ ليُعلم بذلك أن الله هو الفاعل له؛ ليحصل به التصديق لمدعي النبوة.

  الثالث: أن يكون له تعلق بالنبوة؛ بأن يكون معرفاً بها، كمخاطبة الحيوانات للرسول بقولها: يا رسول الله، أو أشهد أنك رسول الله، أو يخبر به النبي قبل وقته مما لا دلالة في العادة عليه ثم يقع في وقته الذي عينه إن عين له وقتاً، أو عند الحاجة إن لم يعين له وقتاً.

  الرابع: أن يكون مع بقاء التكليف، فيخرج ما يظهر على الدجال من الأفعال الخارقة إن ادعى معها النبوة؛ لأن المعجز لا يصح إلا لتعريف النبوة، ولا نبوة إلا بتكليف. هكذا قيل في إخراج ما ظهر على الدجال، وفيه نظر؛ لأن المروي أن عيسى # ينزل فيقتل الدجال، ويكون على شريعة محمد ÷ ويملؤها عدلاً، فدل على أن التكليف باق إذ ذاك؛ فلا يصح ذلك. ويمكن إخراج ما ظهر على الدجال بأنه إنما يكون معجزاً مهما تعلق بدعوى النبوة، والدجال إنما يدعي الربوبية، وبطلان دعواها معلوم عقلاً، فإظهار الخوارق عليه لا مفسدة فيها، وإنما إظهارها بلوى من الله سبحانه لعباده كقصة العجل، فيبتلي المؤمن ليعظم أجره في الصبر على الإيمانِ بالله تعالى وتوحيدِه، وتصديقِ الرسول ÷ فيما أخبر به من أحوال الدجال فكان الأمر كما ذكر، والله أعلم.