الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

مسألة: [الأنبياء $ معصومون]:

صفحة 598 - الجزء 1

  حجة القاسم أن مواقعتهم ذلك مع العلم والتعمد يقتضي الإغراء بفعلها، ولأن نفس الإقدام مع العلم جرأة لا يتحقق معه ثبوت العدالة أو بقاؤها، ولأن كل عمد كبيرة على أصله.

  وأما ما ذهب إليه الحشوية من جواز الكبائر عليهم مطلقاً، والأشعرية وأبو الهذيل وأبو علي من جواز ذلك قبل البعثة - فلا حجة لهم إلا ما حكاه الله تعالى عن الأنبياء، وهو باطل؛ إذ لا دليل على كبر ذلك، وإلا لزم معاداتهم وجواز ذمهم؛ للزوم ذلك في كل ذي كبيرة إجماعاً، واللازم باطل؛ لأنه كفر بالإجماع؛ فيلزم بطلان الملزوم.

  قالوا: نقطع بصغر ذلك منهم لكثرة ثوابهم، وإن كان كبيراً في حق غيرهم.

  قلنا: فتسقط المسألة ويسقط الاستدلال عليها بما ذكرتم.

  والتحقيق: أن الكلام في المسألة في طرفين: الوقوع و الجواز، فإن أرادوا الأول فهو باطل بما ذكرنا، وإن أرادوا الثاني فلا يكفي في إبطاله ما ذكرنا، بل لا يتناوله، فيستدل على بطلانه بأن تجويز ذلك منهم يؤدي إلى التنفير عنهم، وفي الكلام ما فيه؛ لأنه مبني على القول بوجوب اللطف وقد مر الكلامُ فيه، وتقريرُ عدم وجوبه، ويمكن أن يقال: أما الجواز الذي في مقابل الإحالة فلا شك في جواز ذلك عليهم $؛ لقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}⁣[الزمر ٥٥]، {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً ٧٤ إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ..}⁣[الإسراء ٧٥، ٧٤]، وأما الجواز الذي يلزم منه نفي الحكمة والمصلحة فالأظهر ما قاله الجمهور، لا لوجوب اللطف، بل لأنه تعالى يفعله قطعاً لما فيه من الحكمة والصلاح، والله أعلم.