فصل: في الكلام في المسائل التي يجب عل المكلف معرفتها واعتقادها في القرآن الكريم
  من حرفين هو مدلولها وهو الكلام، وهي وإن تركبت من تخصطات وهيئات مخصوصة فليست مركبة من حرفين. وأما حديث النفس والمهمل فمع اشتمالهما على الحرفين فصاعداً فهما من أقسام الكلام، فلا حاجة إلى إخراجهما.
  لا يقال: فيلزم دخول الكلام النفسي في الحد، وأنتم لا تقولون به. لأنا نقول: إنما نفينا الكلام النفسي الذي يثبته الخصم قائماً بذات المتكلم وصفة له ليست بحروف ولا أصوات، ونحن لم نجعله معنى قائماً بذات المتكلم ولا صفة له بالمعنى الاصطلاحي، وإن كان صفة بالمعنى اللغوي، بل جعلناه فعلا له يفعله متى شاء وكيف شاء، سواء كان مجهوراً به وهو المسموع بالفعل، أم لا وهو المسموع بالإمكان، بمعنى أن سمعه ممكن لو جهر به، وسواء كان ملفوظا به كالقراءة السرية أولا كالمتحدث به في النفس، وقد دل على الجميع قوله تعالى: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ ١١٠}[الأنبياء]، وعلى ما ذكرنا من كونه مسموعاً بالفعل أو بالإمكان يتمشى قول المؤلف #: (وأنه مسموع)، فهذان طرفان مما يتعلق بالقرآن من العقائد، أحدهما: أنه كلام الله تعالى. والثاني: أنه مسموع.
  أما الطرف الأول - وهو كونه كلام الله - فهو المسألة التي نص عليها أئمة الكلام من الزيدية والمعتزلة ومن وافقهم انه يلزم كل مكلف معرفتها واعتقاده، جعلوها أحد الثلاثين المسألة الواجبة من علم الكلام.
  وأما الطرف الثاني فلعل المؤلف # ذكر ذلك لما حدث من قول المطرفية إنه ليس بمسموع وإن جهر به، وإنما المسموع هو المتكلم، والاَّ فليس ذلك مما يلزم كل مكلف إلاَّ بعد طرو الشبهة وقدحها عليه، والاَّ فلو فرضنا إنساناً اعتقد كون القرآن كلام الله تعالى ولم يخطر بباله هل المسموع الكلام أم المتكلم كما كان عليه في ذلك بأس؛ ولذلك لم تعد في المسائل الثلاثين الواجبة بالأصالة على كل مكلف.
  قوله #: (وأنه محدث مخلوق) يعني: ليس بقديم كما تقوله الأشعرية وغيرهم من الحشوية والمحدثين وهذه هي المسألة الثانية مما يجب على المكلف