الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

الدليل على أن القرآن كلام الله:

صفحة 601 - الجزء 1

  معرفته واعتقاده في القرآن وهي إحدى الثلاثين الواجبة. والوصفان أعني محدث مخلوق بمعنى واحد، لكن ذكرهما معاً للإشارة إلى خلاف محمد بن شجاع من المعتزلة بأن القرآن محدث غير مخلوق، قال: لأن المخلوق المنسوب إلى غير قائلة. وحينئذ فصارت الجملة المذكورة في جواب السؤال مشتملة على أربعة أطراف: أنه كلام الله تعالى، وأنه مسموع، وأنه محدث، وأنه مخلوق، وقد خالف في كل طرف منها قوم كما قد ذكر وكما سيأتي آنفاً.

الدليل على أن القرآن كلام الله:

  (فإن قيل) لك: (فما دليلك على) كل طرف من الأربعة المذكورة في (ذلك) الجواب المذكور؟ (فقل: أما قولي: إنه كلام الله) تعالى، فالدليل على ذلك من العقل، ومن السمع.

  أما العقل: فلأن الكلام من جملة الأفعال المفتقرة إلى فاعلها في وجودها، ويستحيل بروزها في الخارج من دونه، كالخلق والرزق والكتابة والعمارة وسائر الأفعال، ثم إذا أريد الإِخبار عنها من أي فاعل صدرت أُتي بمصدر ذلك الفعل وأُسند إلى فاعله كخلقِ اللهِ ورزقه، وكتابة زيدٍ، وعمارة عمرو ونحو ذلك، وقد ثبت أن القرآن كلام لم يكن من غيره فلزم أنه كلامه تعالى بمعنى أنه الذي أوجده وركب حروفه وأحكم آياته، وصح وصف الباري تعالى بأنه متكلم به بمعنى فاعل وموجد له، وإن لم يكن كتكلم المخلوق بلسان ولهاة - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - لأن جميع أفعاله تعالى من دون مماسة ولا بآلة، بل يخلق الكلام بأن يوجده مجهوراً في الهواء كصوت الرعد، أو في محل غير الهواء كما سمع موسى # كلام الله تعالى من الشجرة، أو بكتبه في اللوح بأن يخلق تلك الكتابة ويُفَهّمَ الملك معناها المراد له ø، ثم يبلغه إلى النبي ÷، وجميع ذلك كيفية في إيجاد الكلام {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}⁣[يس ٨٢].