الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

الدليل على أن القرآن كلام الله:

صفحة 602 - الجزء 1

  قال الإمام يحيى #: أجمع المسلمون على وصف الله تعالى بكونه متكلماً ولكن اختلفوا في قائدة وصفنا له بذلك، فعندنا - وهو قول المعتزلة - أن فائدة وصفنا لله تعالى بكونه متكلماً أنه خَلقَ هذه الحروفَ والأصواتَ في جسم من غير أمر زائد على ذلك، وكونه متكلماً عندنا وعندهم يجري مجرى الأوصاف الاشتقاقية التي لا يعتبر فيها إلا مجرد الفعل لا غير، كقولنا: خالق ورازق. وزعمت الأشعرية: أنَّ كلامَ الله تعالى صفةٌ حقيقية مغايرة لوجود هذه الحروف والأصوات قائمةٌ بذاته تعالى، وأنَّ معنى كونه تعالى متكلماً عندهم هو اختصاصه بهذه الصفة وقيامها بذاته تعالى كالقادرية والعالمية، وزعموا أن هذه الحروف دالة على هذه الصفة. هكذا نقله عنه في الإرشاد، وفي شرح الأساس بدل قوله: وزعمت الأشعرية الخ. وَأَمَّا الأشعرية فزعموا أن الكلام يطلق بالاشتراك على أمرين: أحدهما: على المعنى القائم بالنفس. وثانيهما: على هذه الحروف المسموعة. وزعموا أن معنى كونه تعالى متكلماً هو اختصاصه بصفة حقيقية مغايرة لوجود هذه الحروف والأصوات، كالقادرية الخ.

  قلت: والذي يبطل كلام الأشعرية أنه لو كان كونه متكلماً صفة من صفات الذات كالقادرية والعالمية ونحوهما لكان متكلماً بكل أنواع الكلام؛ إذ لا اختصاص للصفة الذاتية بنوع من أنواع متعلقاتها دون نوع، كالقادرية، فإنه تعالى لما كان كونه قادراً صفة ذاتية كان قادراً على كل المقدورات، وكالعالمية، فإنه تعالى لما كان عالماً صفة ذاتية كان عالماً بكل المعلومات، ولا اختصاص لذاته بمقدور دون مقدور، ولا بمعلوم دون معلوم، بل هو على كل شيء قدير وبكل شيء عليم، فلو كان كونه متكلماً صفة ذاتية لكان كصفة قادر وصفة عالم؛ فيلزم أن يكون متكلماً بكل أنواع الكلام، كالصدق والكذب والجد والهزل والهزؤ والسخرية، وجميع أنواع الكلام من حق وباطل، ومدح وثناء على نفسه وأوليائه وأعدائه، وذم وسب ولعن لكل من الملائكة والأنبياء والمؤمنين والكافرين