فصل: في الكلام في المسائل التي يجب عل المكلف معرفتها واعتقادها في القرآن الكريم
  والفاسقين، والتزام ذلك جهالة مفرطة وخروج من الدين، وعدم التزامه معاندة ظاهرة؛ إذ قد جعلوها كقادر وعالم، فلا وجه للفرق مع الاتفاق في كون الجميع صفة ذات متعلقة. وقولنا: متعلقة، تخرج صفة حي وموجود فلا يتعلقان بشيء. فلزم بطلان القول بأن صفة متكلم صفة ذات، ولزم القول بأنها صفة فعل كخالق ورازق ومتفضل وسائر صفات الأفعال، ولأنه يدخلها التضاد، تقول: الله يقول الحق ولا يقول الباطل، أو يتكلم بالحق ولا يتكلم بالباطل، ولو كانت ذاتية لما دخلها التضاد كما لا يدخل في قادر وعالم، فلا يقال: الله قادر على كذا غير قادر على كذا، ولا عالم بكذا غير عالم بكذا.
  وبهذا تقرر أن الكلام من صفات الأفعال التي يفعلها ø متى شاء وأين شاء وكيفما شاء، يفعل منه ما كان حسناً، كالصدق والإرشاد ونحوهما، ولا يفعل منه ما كان قبيحاً، كالكذب والتعمية ونحوهما.
  لا يقال: هذا(١) لا يلزم، كما أنه لا يلزم من كونه قادراً وعالماً بالقبيح فلا يلزم أنه فاعله، فكذلك وإن كان متكلماً بصفة ذاتية كقادر وعالم فلا يلزم أنه متكلم بالقبيح.
  لأنا نقول: إن مبنى هذه المدافعة على أن المرجع بصفة متكلم إلى صفة قادر وعالم، أو أنها صفة فعل، والأول لا يقول به قائل، والثاني هو ما نريد. وإنما قلنا: إن مبنى هذه المدافعة على أن المرجع بصفة متكلم إلى صفة قادر وعالم الخ؛ لأن حينئذ - أي: حين نجعل متكلماً صفة ذاتية - يصير المعنى عند أن نقول: الله متكلم لا يخلو: إما أن نقدر عموم التعلق بجميع أنواع الكلام، وإما أن نقدر خصوصه بما هو الحق من الكلام.
(١) عائد إلى أول البحث، وهو أنه لو كانت صفة تكلم ذاتية لكان متكلماً بكل أنواع الكلام من الصدق والكذب وسائر الكلام حسنه وقبيحه كما ذكر في الكتاب. (من هامش الأصل).