فصل: في الكلام في المسائل التي يجب عل المكلف معرفتها واعتقادها في القرآن الكريم
  تلك المعاني به؛ فيجب أن يكون عبارة وحكاية عن المعنى القديم، فيكون هذا دليل(١) على ثبوته.
  قلنا لهم: مسلم قولكم: إن الكلام يعبر به عن المعاني وتحكى تلك المعاني به، ولكن ما جوابكم لو قلنا: وتلك المعاني هي ما سيق الكلام خبراً عنه من الوقائع الكائنة فيما مضى، كالإرسال والعصيان والمؤاخذة في شأن موسى # وفرعون، وكأخبار الأمم الماضية والقرون الخالية، وكخلق السماوات والأرض وما بينهما وجميع أصناف العالم، وكالوقائع الآتية من البعث والإعادة والجنة والنار. وما سيق الكلام إنشاءً وطلباً لما دل عليه من الأوامر والنواهي، وما يترتب عليهما من المدح والثواب والذم والعقاب، فهذا هو ما وضع القرآن للدلالة عليه، لا المعنى القديم القائم بذات الله تعالى فليس عليه دليل ولا إلى العلم به سبيل، فيجب القول بنفيه؛ لعدم الطريق إليه، بل قام الدليل على بطلانه، بل على استحالته؛ لاستلزامه الحدوث على الله تعالى أو إثبات إله معه، تعالى الله عن ذلك.
  وإن قالوا: الحاكي والمعبر ابتداءً وإنشاءً هو غير الله تعالى.
  فإما المَلَك وإما الرسول ÷، وعلى التقديرين فلم يكن القرآن من عند الله؛ لأن القائل له والمنشئ له غيره تعالى، وفي ذلك موافقة الكفار أن الرسول ÷ تَقَوَّلَه؛ فلا يصح القول بذلك، ويجب القطع بأن الذي قاله وابتدأه وأنشأه هو الله تعالى، لا حكاية عن معنى قديم، بل عن ما كان وما سيكون، وما فيه صلاح الخلق من الأوامر والنواهي وغير ذلك، فيكون الملك أول من قاله مخبراً به عن الله تعالى، والرسول ÷ ثانياً بواسطة الملك، ويكون سائر المكلفين ممن قاله وتلاه وحكاه على سبيل الاقتداء والاحتذاء، وهذا ظاهر لا إشكال فيه.
(١) دليلا. ظ.