الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: في الكلام في المسائل التي يجب عل المكلف معرفتها واعتقادها في القرآن الكريم

صفحة 610 - الجزء 1

  قالوا: لو لم يكن الله سبحانه متكلماً في الأزل لكان ساكتاً وأخرس.

  قلنا: لا نسلم الانحصار في الثلاثة المذكورة حتى لا يمكن الانفكاك عن متكلم إلا إلى أحد المذكورين الأخيرين؛ إذ يمكن أن يقال: لو لم يكن متكلماً لكان غير متكلم بأن لا يفعل الكلام، من دون أن يوصف بأنه ساكت أو أخرس؛ لأن هاذين القسمين من أوصاف من يفعل الكلام ويوجده بآلة اللسان واللهاة، وأعم منهما تارك الكلام أو غير متكلم؛ إذ يشملان تارك التكلم بالآلة كالإنسان، وتارك التكلم بغير آلة وهو الباري تعالى، فإذا انتفى كونه ساكتاً أو أخرس لم ينتف كونه غير متكلم أو تارك للكلام؛ لأن انتفاء الأخص لا يستلزم انتفاء الأعم.

  وبعد، فهم موافقون لنا أن الله تعالى غير متكلم بالكذب والهُزء ونحوهما من الكلام الباطل، فيقال: لو لم يكن متكلماً بالكذب ونحوه لكان ساكتاً عنه أو أخرس بالنسبة إليه، فما أجابوا به فهو جوابنا.

  وقد أطال القرشي | تعداد وجوه جواب هذه الشبهة والإيرادات اللازمة عليهم في تمسكهم بها فلا نطيل الكلام بذكرها، فمن أراد الاطلاع عليها فليأخذها من منهاجه، لكن نذكر من ذلك جواباً وإيراداً.

  فالجواب قول منع الجامع، والفرق بأن الشاهد متكلم بآلة، والخرس والسكوت إنما يطلقان على المتكلم بالآلة. والإيراد قوله: وبعد، فإذا اعتمد في ذلك على الشاهد فمعلوم أن الشاهد إذا لم يكن متكلماً بهذه الحروف والأصوات كان أخرس أو ساكتاً، فلزم إذا لم يكن الباري متكلماً بها فيما لم يزل أن يكون أخرس أو ساكتاً. انتهى.

  يعني فيلزمهم أن يكون تعالى ساكتاً أو أخرس عن التكلم بهذه الحروف، فما أجابوا به فهو جوابنا.

  قالوا: لو لم يكن متكلماً في الأزل لكان غير عالم بأنواع الكلام ومدلولاته الإخبارية والإنشائية إلا عند وقوعها، والاتفاق كائن على أنه تعالى عالم بما