الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: في الكلام في المسائل التي يجب عل المكلف معرفتها واعتقادها في القرآن الكريم

صفحة 611 - الجزء 1

  سيكون قبل أن يكون؛ فيجب أن يكون متكلماً في الأزل، وأن تكون صفة متكلم صفة ذات كعالم.

  قلنا: ومن سلم لكم أنه يلزم من انتفاء التكلم انتفاء العلم، أوليس أن أحدنا ينتفي منه التكلم بالقذف وسائر أنواع الفجور، وينتفي منه التكلم بما يقتضي الشرك وسائر أنواع الكفور مع أنه عالم بالألفاظ والعبارات المادية لذلك، وكالباري تعالى غير متكلم بالكذب والهزء ونحوهما مع علمه ø بكل ما هو كذب وما هو هزء.

  وتحقيقه: أنه لا يلزم من ثبوت عالم ثبوت متكلم؛ لأن العالم أعم من وجه وأخص من وجه، وكذلك لا يلزم من ثبوت متكلم ثبوت عالم؛ لأن المتكلم كذلك أعم من وجه وأخص من وجه آخر، فيجتمعان في مادة وينفرد كل واحد منهما في مادته الأخرى، فيجتمعان في نحو: الله واحد والعالم محدث وغير ذلك من الكلام المعلوم عند قائله، وينفرد المتكلم عن العالم في نحو قول الصبي غير المميز والمجنون والسكران أي قول كان صدقاً أو كذباً؛ لأنه غير عالم به، وينفرد العالم عن المتكلم فيما يعلمه من الألفاظ التي لم يتكلم بها، سواء كانت مما يجتنب النطق بها كالقذف ونحوه أو مما لا يجتنب كما يعلمه من أَكَاليم الناس، والأكاليم التي تقع من المؤمن عند سؤال الملكين، ومن المجرم عند ذلك، وسائر ما أخبر به تعالى من الأكاليم في الآخرة، فإن هذه وأمثالها مما يعلمها العالم ولم يكن متكلماً بها إلا عند أن يوجد التكلم بها، ومن هذا القبيل علم الله تعالى بما سيكون قبل أن يكون، فلا يلزم منه أنه متكلم به إلا عند أن يوجد الكلام فيما أراد التكليم به، فصح أن يكون عالماً في الأزل دون أن يكون متكلماً فيه. يزيده وضوحاً أنه يصح معلوم واحد بين عالمين فأكثر، ولا يصح كلام واحد إلا من متكلم واحد.

  وبعد، فما أوردناه عليهم في جواب الاحتجاج الذي قبل هذا وارد هنا مثله أو عكسه، بأن يقال: لو لم يكن متكلماً في الأزل بالكذب ونحوه لكان غير عالم، به