القرآن مسموع:
  وهذا هو المثل، أو يقال: لو كان عالماً في الأزل بالكذب ونحوه لكان متكلماً به، وهذا هو العكس، فما أجابوا به في ذلك فهو جوابنا.
القرآن مسموع:
  قال #: (وأما قولي: إنه) أي: القرآن (مسموع فذلك معلوم بالحِسِّ) وهو الإدراك بآلة السمع، وهو المعنى المركب في الصماخ الذي به تدرك المسموعات، كما أن البصر معنى في الحدق به تُدرَك المبصرات. (ولقوله تعالى: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عجباً}) حاكياً ذلك عن النفر من الجن، (والمعلوم ضرورة) من حيث الدلالة الصريحة في قوله: {قُرْآنًا} (أن ذلك المسموع هذا القرآن) لا غيره، أثبت من هذه الآية(١) في الدلالة على المطلوب قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآن}[الأحقاف ٢٩].
  إن قيل: إن المعلوم ضرورة أن المسموع عند التلاوة هو صوت القارئ وأثره الحاصل منه بإرادته وقصده، والمعلوم ضرورة أنه قد يكون القارئ متأخراً عن نزول القرآن كما في التابعين ومن بعدهم، فإن لم يكن متأخراً عن نزوله كما في الصحابة فالمعلوم أنه لا يقرأ الآية إلا بعد نزولها، فكيف جعلتم المسموع هو نفس القرآن والحال أن المسموع هو الصوت المتأخر عن وجود القرآن ونزوله بأوقات؟.
  قلنا: هذا السؤال وإن كان الأمر فيه كما ذكر السائل فإنه لا يقدح في كون القرآن مسموعاً؛ لأن قراءة القارئ له تشتمل على أمرين محكي ومحكي به.
  فالمحكي: القرآن، وهو الحروف المؤلفة الكلمات منها تأليفاً مخصوصاً
(١) إنما كانت الدلالة في الآية الأخرى أثبت لأن الأولى حكايته مقالة الجن له قرآناً، والثانية مقالة الله سبحانه له قرآناً، فدلالة الأولى من باب التقرير، ودلالة الثانية من باب الفعل الذي هو أقوى من التقرير. (من خطه ¦).