القرآن مسموع:
  والكلمات المركبة بعضها إلى بعض تركيباً مخصوصاً، فإن قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} فيها تأليف الحروف - وهو جمعها - تأليفاً مخصوصاً، وهو تقدم الهمزة ثم اللام ثم الحاء ثم الميم ثم الدال، ولو لم تكن على هذا التأليف بأن تتبع آلة التعريف الميم ثم الدال ثم الحاء لكان المدح لله، أو تتبعه الدال ثم الميم ثم الحاء لكان الدمح لله، أو يتبعها الدال ثم الحاء ثم الميم لكان الدحم لله، أو تتأخر آلة التعريف لكان حمد أل لله، فتأليف هذه الحروف على الوجه الأول دون الوجوه الأخيرة حتى صارت الكلمة الحمد هو فعل الله تعالى، ثم كذلك ضم هذه الكلمة إلى الكلمة التي تليها، وتركيب حروف الكلمة التي تليها وهي الجلالة فعل الله تعالى أيضاً، ثم كذلك سائر الكلمات والآيات في جميع القرآن الكل فعل الله تعالى وإيجاده وإحداثه وخلقه.
  والمحكي به: هو صوت القارئ الذي حكى به تلك الكلمتين على حسب ما وضعهما الله تعالى عليه من دون تقديم حرف على حرف، ولا الكلمة الأخيرة على الأُولى، حتى إنه لو قدم حرفاً على حرف أو أُخرى الكلمتين على الأولى لما كان قارئاً للقرآن ولا حاكٍ له، فعند التلاوة يسمع السامع تلك الحروف والكلمات بذواتها، وهي القرآن فقد سمع القرآن، حقيقة من هذه الحيثية، ومن حيث إن الصوت المحكي به تلك الحروف هو فعل القارئ فقد سمع الصوت حقيقة من هذه الحيثية.
  فظهر بهذا أن السؤال - وإن كان الأمر فيه كما ذكر السائل من أن الصوت مسموع وهو فعل القارئ وصوته - غير قادح في أن القرآن مسموع؛ ولهذا ذهب أبو الهذيل وأبو علي إلى أن الكلام من قبيل الحروف لا من قبيل الأصوات، فجعلوه جنساً غير الصوت مسموعاً مع الصوت، وباقياً دون الصوت.
  قال القرشي ¦: وإنما قالوا بهذا لئلا يلزم أن يكون التالي قد فعل مثل