فصل: في الكلام في المسائل التي يجب عل المكلف معرفتها واعتقادها في القرآن الكريم
  كلام الله، وهذا غير لازم؛ لأن التالي يفعل ذلك محتذياً، وليس من احتذى على فعل غيره يقال: قد فعل مثله، فإن من أنشد قصيدة امرئ القيس لا يقال: قد جاء بمثلها، فبطل ما توهموه. انتهى.
  وهو جيد، لكن «قوله: ليس من احتذى على فعل غيره يقال قد فعل مثله» يلزم عليه أن من عمر داراً محتذياً على عمارة أخرى أن لا يقال: قد فعل مثلها، وهو معلوم البطلان، فصواب العبارة: وليس من حكى قول غيره يقال قد فعل مثله.
  قال الإمام يحيى # في الطراز ما لفظه: ثم إنهم - يعني النظار والفصحاء - يقولون: للكلام إضافتان: فالإضافة الأولى إلى من ابتدأه وأنشأه، وهذه هي الإضافة الحقيقة، والإضافة الأخرى هي إلى من حفظه وحكاه، ويعلم قطعاً أن كل من قال:
  قِفَا نَبْكِ من ذِكْرَى حبيبٍ ومنزلِ ... بِسِقْطِ اللَّوَى بين الدخولِ فَحَوْمَل
  لا يكون معارضاً لامرئ القيس فيما قاله من هذه القصيدة، بل إنما جاء بها على جهة الاحتذاء لقائلها. انتهى كلامه، والمسك ختامه.
  فإن قيل: لا يخلو كل مما ذهب إليه الشيخان أبو الهذيل وأبو علي من أن الكلام مجرد الحروف دون الصوت، وما ذهبتم إليه أن الكلام هو مجموع الحروف والصوت من إِشْكَال، فعلى الأول أن توجد الحروف دون الصوت والعكس، وهو مستحيل، وعلى الثاني أن يكون القرآن مركباً من فعل الله تعالى - وهو تأليف الحروف وتركيب الكلمات على التأليف والتركيب المخصوص - ومن فعل القارئ، وهو الصوت، فافصلوا لنا أحدهما عن الآخر.
  قلنا: أما على كلام الشيخين فملتزم وجود الحروف دون الصوت، كالكلام المحفوظ في الصدور، والقرآن المكتوب في المصاحف، وأما العكس - وهو وجود الصوت دون الحروف - فلعلهما يقولان: لا يلزم؛ لأن الصوت مركب من الحروف كالعمارة المركبة من الحجارة ونحوها، فكما لا يلزم وجود العمارة