فصل: في الكلام في المسائل التي يجب عل المكلف معرفتها واعتقادها في القرآن الكريم
  من دون حجارة فكذلك لا يلزم وجود صوت مفيد من دون حروف، وإن كان فاعل الحجارة هو الله تعالى وفاعل العمارة هو الإنسان، فكذلك الحروف والتأليف بينها، التأليف المخصوص وتركيب الكلمات التركيب المخصوص هو فعل الله تعالى، والصوت المحكي به تلك الحروف والكلمات فعل القارئ وأما على كلام الجمهور فقول السائل: يلزم أن يكون القرآن مركباً من فعل الله تعالى وفعل القارئ لا يسلم، وإنما يلزم أن تكون القراءة مركبة مما ذكر وهو مسلم، وقوله: فافصلوا أحدهما عن الآخر إن أراد تبيين ماهية أحدهما عن ماهية الآخر فقد بيناه بأن فعل الله هو إيجاد الحروف والكلمات على تلك التآليف والتراكيب المخصوصة، وفعل القارئ هو حكاية ذلك كما هو عليه بلا زيادة ولا نقص ولا أي تغيير، وإن أراد إيجاد أحدهما دون القرآن فالجواب مثل ما أجيب به عما ورد على كلام الشيخين سواء سواء، إلا أن الصوت المفيد عندنا متى وجد فلا يوجد إلا وهو حروف مقطعة، وليس هو غيرها(١) كما يقوله الشيخان.
  فاتضح بهذا الكلام جواب ذلك السؤال، وزال به ما يعتري المقال بحمد الله من الإشكال. ويزيده وضوحاً ما ذكره في الإرشاد الهادي عن المؤلف # في الينابيع قال ما لفظه: وقد روي عن النبي ÷ أنه قال: «القرآن موجود في ثلاثة مواضع: في الصحف مكتوب، وعلى الألسن متلو، وفي القلوب محفوظ»، ويطابق هذا الخبر قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ٤٨ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}[العنكبوت]. انتهى كلامه، والمسك ختامه.
  فثبت بما ذكرنا أن القرآن مسموع وأنه كلام الله. وإنما يتأتى هذا على قول العدلية: إن القرآن وإن كلام الله هو هذا المتلو بين أظهرنا، والمقروء في
(١) أي: غير الحروف المقطعة.