فصل: في الكلام في المسائل التي يجب عل المكلف معرفتها واعتقادها في القرآن الكريم
  المحاريب، والمكتوب في المصاحف، فأما على قول الأشعرية وغيرهم من فرق المجبرة: إن القرآن قديم، وإنه كلام الله القديم القائم بذاته تعالى، وليس بحروف ولا كلمات فلا يتأتى ذلك؛ فيلزمهم بطلان ما صرحت به الآيات الكريمة من قوله تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عجباً} {يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ}[الأعراف ٢٠٤] {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ}[الإنشقاق ٢١]، وقوله ÷: «القرآن كلام الله «الحديث، وقوله ÷: «إذا نزل بكم البلاء فعليكم بالقرآن» الحديث، «كل صلاة لا يقرأ فيها شيء من القرآن فهي خداج» ونحوه، وحملهم جميع ذلك على المجاز لما كان حكاية أو عبارة عن القرآن وعن الكلام القديم تأويل باطل؛ إذ لا يجوز الخروج عن الحقيقة إلى المجاز إلا لدليل قاطع في القطعيات أو راجح في الظنيات، وليس ثمَّ هنا شيء من ذلك، ولا أمارة توهم صحة ما زعموه مما هنالك، وأيضاً لو كان الأمر كما زعموا أن هذا حكاية أو عبارة عن كلام الله لكان إذا عبر عنه بالفارسية أو غيرها من سائر الألسن قرآناً وكلام الله، والإجماع على خلافه، وأيضاً كان يلزم أن تكون التفاسير المعبر بها عنه قرآناً مثله، وأن يكون كلام الله مثلها، والإجماع على خلافه.
  ومن خرافات الأشعرية: أنهم يقولون: إن الكلام الذي سمعه موسى # هو الكلام القديم، وإنه سمعه من جميع الجهات بجميع حواسه وجوارحه، وإنه لم يسمعه حروفاً وأصواتاً.
  وهذا كلام سخف لا شك في بطلانه؛ لأنه لا يمكن إيصال الكلام القديم إلى موسى ولا إلى غيره إلا بفعل فاعل، وما تعلق به فعل الفاعل استحال أن يكون قديماً. ولأنه مصادم للآية من حيث إن صريحها أن النداء من الشجرة لا كما زعموه من جميع الجهات، وأنه سمعه بآلة السمع؛ لقوله: {نُودِيَ}، والنداء لا يستعمل إلا فيما يدرك بالسمع دون سائر الحواس وما أدرك بالجوارح، ويلزم