الدليل على أن القرآن محدث مخلوق:
  لبعض الآي على بعض، ولبعض الكلمات على بعض، ولبعض الحروف على بعض (يدل) قطعاً (على أنه مُحدَث) جميعه، أما المتقدم فلانقطاعه وخلف المتأخر منه، وما انقطع أو خلفه غيره فهو محدث ضرورة؛ لأن القديم لا ينقطع ولا يخلفه غيره في الوجود. وأما المتأخر فلتقدم سابقه عليه، وما تقدمه غيره فليس بقديم؛ فثبت بذلك أنه محدَث.
  دليل آخر: هو مختلف ومتشابه في ذاته، فمنه أوامر، ومنه نواهٍ، ومنه خبر، ومنه ناسخ ومنه منسوخ، ومنه وعد ومنه وعيد، ومنه مدح ومنه ذم، ومنه تبشير ومنه تهديد، إلى غير ذلك من أنواع الكلام، وكذلك مختلف الأساليب ومتشابه العبارات والقصص والأعاجيب، فسورة الرحمان مثلاً أساليبها وعباراتها وقصصها من الإخبار بأنه تعالى خلق الإنسان وعلمه البيان، ومن كون النجم والشجر يسجدان، ونحو ذلك إلى آخر السورة متشابه فيما بين بعض آياتها، ومتخالف فيما بين البعض الآخر. وكذلك جملة السورة مخالفة لجملة السورة التي قبلها سورة اقتربت الساعة، وكذلك سائر السور، فقد حصل في القرآن التشابه والتخالف والتماثل والتوافق، وما دخله التخالف والتشابه ونحوها فلا بد له من فاعل فعل المتخالف متخالفاً والمتشابه متشابهاً ونحو ذلك، فثبت بذلك أنه محدث.
  وأما السمع: فقد ذكر # بعض ما يدل على أنه محدث بقوله: (ولقوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ}[الأنبياء ٢]، في سورة اقترب للناس حسابهم، وفي سورة الشعراء: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ}[الشعراء ٥]، ونحوهما قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا}[الزمر ٢٣]، (والذكر هو القرآن) بلا تنازع في ذلك، و (لقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ}[الزخرف ٤٤]، أي: شرف لك ولهم). ويصح أن يكون الذكر بمعنى التذكرة، كقوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ