فصل: في الكلام في المسائل التي يجب عل المكلف معرفتها واعتقادها في القرآن الكريم
  لأنا نقول: الوقف وعدم الخوض في المسألة ليس بقول ثالث رافع للنقيضين، بل هو تردد هل الحق مع هذا أو الحق مع هذا، فلازمه عدم تخطئة الطرفين معاً وعدم تخطئة أحدهما بعينه حتى يعلم الحق، كما في مسألة هل الجنة والنار موجودتان الآن أم لا؟ فمن تردد في ذلك بأن خاض فتكافأت عنده الأدلة أو لم يخض في المسألة أصلاً فإنه لا يصح له أن يخطئ أحد المختلفين في وجودهما وعدمهما، فإذا قال: إن الكل بدعة كانت صحة هذا القول مستحيلة؛ لاستلزام أن الحق في ثالث وهو أن لا موجودتان ولا معدومتان، وهذا محال، فيكون القول بذلك جهالة ظاهرة لمن تأمل. وأما زخرفة هذه المقالة بقولهم: إن السلف الصالح لم يخوضوا في ذلك، ولم ينقل عنهم وصفه بأنه مخلوق ولا أنه غير مخلوق - فجوابه من وجهين:
  أحدهما: المعارضة، وهو أن يقال: وكذلك لم تنقل عنهم هذه المقالة التي قلتموها، وإلا فأسمعونا أثراً متواتراً أو آحادياً أنهم قالوا: وصف القرآن بأنه مخلوق أو غير مخلوق كلاهما بدعة، بل المعلوم ضرورة أنهم كانوا يدينون ويعتقدون أن كل ما سوى الله فهو محدث ومخلوق، وأن الله تعالى خالق كل شيء إلا ما خصه الدليل، وهو أفعال العباد، فدخل القرآن في عموم ما حكموا بحدوثه وخلقه، فكيف يصح أن يقال: القول بحدوث القرآن أو خلقه بدعة وهو مقتضى قول السلف الصالح في التوحيد وحدوث العالم وخلقه؟ لأن القرآن من جملة العالم، فهو من جملة الشيء المحكوم بحدوثه وخلقه؟
  ثانيهما: وجود النقل الصحيح عن الصحابة ما يقتضي القول بخلق القرآن، (و) ذلك (لما رواه عمر بن الخطاب عن النبي ÷ أنه قال: «كان الله ولا شيء ثم خلق الذكر» والذكر هو القرآن كما تقدم.) وكذلك روى القرشي عن عمر: «اعملوا بالقرآن ما اتفقتم فيه فإذا اختلفتم فيه فكلوه إلى خالقه»،