الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: في الكلام على إمامة أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب #

صفحة 6 - الجزء 2

  إلا عند ظهور الظلم والفتن لدفع ذلك. وعن هشام الفوطي: إذا خشي الإمام القتل وثوران الفتن⁣(⁣١)، وهؤلاء لا يعلم لهم متابع، وأقوالهم مسبوقة بالإجماع من الصحابة ومن بعدهم إلى أن حدثت أقوالهم، فلم يعتد بخلافاتهم هذه، ولأن مقتضى التكليف بها وهو حفظ بيضة الإسلام، وإقامة الحدود، وتنفيذ الأحكام، ونصب ولاة المصالح، وجهاد من بغى من المسلمين، وجهاد الكفار، ودفع التظالم والفتن لا يختص وجوبه بحال دون حال ولا بوقت، دون وقت وكل ذلك لا يتم إلا بنصب إمام صالح لذلك، فوجب نصب الإمام؛ لأنه لا يتم الواجب إلا به، وما لا يتم الواجب إلاَّ به يجب لوجوبه.

  ثم اختلف العلماء في وجوبها عقلاً بعد الاتفاق على وجوبها سمعاً، فروى في الأساس وشرحه عن بعض أئمتنا $ أنها واجبة عقلاً، ولم يحك الإمام المهدي # والقرشي ¦ ذلك إلا عن الإمامية وأبي القاسم البلخي وأبي الحسين والجاحظ، وتكلما في إبطال دلالة العقل عليها، وقصراه على السمع.

  حجة أهل القول الأول: ما ذكرنا من أن ما لا يتم الواجب إلا به يجب لوجوبه، وهذه القضية واجبة عقلاً، فوجب نصب الإمام عقلاً. وعند الإمامية: أن نصب الإمام واجب عقلاً من حيث كونه لطفاً للمكلفين في القيام بجميع ما كلفوه، وإليه يحتاج في جميع أمور الدين والدنيا، حتى إن من جهته تعرف الأغذية والسموم والطب واللغات والصنائع وسائر أمور الدين والدنيا، ذكر ذلك القرشي، وبالغ في الرد عليهم بما لا يسلم له صحته، إلا قولهم: «إنه يعرف من جهته الأغذية والسموم والطب واللغات والصنائع» فهو باطل؛ لأنها تعرف من جهة التجربة والتعلم وكتب اللغة ولو من غير الإمام.


(١) قال في شرح الأساس: وأمَّا هشام فزعم أن الأمر على عكس ذلك، فقال: لا يجب نصبه عند ظهور الظلم والتظالم بين الخلق؛ لأنهم ربما قتلوه فيصير نصبه سبباً في الفتنه، فأما عند عدم الظلم وخلو الزمان عنه فانه يجب نصبه لإظهار شعار الإسلام وقوة شوكته.