الإمامة أصل من أصول الدين:
  الإمامة من كان ظالماً، فلا تصح إمامة الفاسق والمفضول مع وجود الفاضل وطلبه لها؛ لأنه بتناولها يكون ظالماً لذلك الفاضل، وهذا أحد الأدلة القطعية على بطلان إمامة الفاسق، وقد جود الرازي والزمخشري الاستدلال بالآية الكريمة على بطلان إمامة الفاسق، وهو إجماع العترة المطهرة $، وإجماعهم حجة قطعية أيضاً. وعلم من الآية الكريمة أن الإمامة عهدٌ وولايةٌ لله تعالى يختص به من يشاء من عباده، فليس للناس أن يختاروا لأنفسهم من يريدون على حسب هوى النفس والمحاباة وإيثار الحياة الدنيا، يؤكد ذلك قوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[القصص ٦٨]، وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}[الأحزاب ٣٦].
  وقد أجمع المسلمون كافة على أنه يصح من الله تعالى ويجوز أن يختار للخلق إماماً معيناً، وإنما اختلفوا هل وقع ذلك أم لا على حسب ما سيأتي، وأجمعوا أيضاً على أنه إذا نص الله تعالى على إمام معين فإنه لا يجوز للخلق اختيار غيره ونصب سواه، قال قوم: إلا لعذر منع المنصوص عليه، وقال الجمهور: ولا لعذر؛ لأن الله أعلم حيث يعجل رسالاته، فكذلك ما هو خلافة الرسالة. وبقي الكلام فيما إذا لم يعين الله تعالى ويختار للناس إماماً أو انقرض المنصوص عليه، فقالت الخوارج والحشوية وإن لم يقولوا بوجوب الإمامة: إن الاختيار في ذلك إلى الخلق، فمن نصبوه من أفناء(١) الناس عجميهم أو عربيهم، شريفهم أو وضيعهم فهو إمام. وقال غيرهم من سائر فرق الإسلام: بل قد بين الله تعالى للناس واختار لهم منصباً معيناً، فيجب عليهم نصب من صلح من ذلك المنصب على خلاف بينهم في تعيينه كما سيأتي إن شاء الله تعالى، ولا يجوز للخلق
(١) يقال: هو من أفناء الناس، إذا لم يعلم ممن هو. (صحاح).