الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[مقدمة في الإمامة ينبغي معرفتها]

صفحة 13 - الجزء 2

  الإمام بعد مقتل عثمان، وإنما نكثوا بيعته وتركوا طاعته اتباعاً للأهواء وميلاً إلى الحسد، فانتقمهم الله تعالى وأبادهم بسيف الوصي، وأهلكهم بذنوبهم وأفناهم على يد ذلك الولي، فأما عبد الله بن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص وغيرهما ممن قعد عن نصرته # فقد اختلفت الأقوال والروايات عنهم، فقيل: لم يخالفوا في كونه الإمام بعد مقتل عثمان، وإنما اشتبه عليهم قتال من خالفه فقعدوا عن نصرته والقتال معه. وقيل: بل توقفوا عن البيعة له ولم يدخلوا في إمامته ولم يقولوا بإمامة أحد، فتركهم الوصي وشأنهم حيث لم يخش منهم ضرراً، واشتغل بما هو أهم وهو قتال الناكثين والقاسطين والمارقين.

  فهذه صفة الاختلاف بين الأمة بعد نبيها ÷، فيجب على العاقل أن ينظر الحق ويجتهد في طلبه حتى يتيقنه، وأن يكون كما أمره الله تعالى من {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}⁣[الزمر ١٨]. هذا ولا يخفى على كل ذي عقل سليم ولب مستقيم أنه لا يمكن أن يكون الجميع مصيبين؛ لاستحالة صدق النقيضين، ولا أن يكونوا كلهم مخطئين؛ لاستحالة ارتفاعهما، فلا بد أن يكون الحق في أحد الجانبين، فيجب النظر أي الفريقين أحق بالأمن {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}⁣[الأنعام ٨٢]، {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}⁣[الأعراف ١٨١].

[مقدمة في الإمامة ينبغي معرفتها]:

  وإذا أردت معرفة الحق من ذلك ومعرفة الباطل من جميع ما هنالك. فاعلم أولاً أن مجرد انتصاب الرجل للإمامة وتصديه لمرتبة الزعامة لا يدل على صحة إمامته؛ لأن مجرد الوقوع لشيء لا يدل على صحته حتى يعلم موافقته لما أمر الله تعالى به وشرعه، على الصفة التي بينها والشروط التي فيه اعتبرها، وإلا لزم