[بقية الباب الثالث]
  الأقرب إليه نسباً مع العلم بما جاء به واتباعه والاهتداء بهديه ÷ أولى الناس بمقامه، وأفضلهم بعده ÷.
  فهذه مقدمة ينبغي معرفتها والعلم بها ليرجع إليها إن لم تقم دلالة قطعية على تعيين أحدهما سواها؛ إذ لا إمام سوى الرجلين اللذين اختلفت الأمة فيهما بعد وفاة الرسول ÷: علي بن أبي طالب الهاشمي، وأبي بكر بن قحافة التيمي، فينظر بعد ذلك في دليل من ادعى تعيين أحدهما بدلالة قاطعة أو راجحة على قرب النسب من الرسول ÷ مع العلم بما جاء به والاتباع له.
  فنقول: أما أبو بكر فقد اختلف المثبتون لإمامته في الطريق التي لأجلها صار إماماً، فقال الجمهور منهم: للإجماع عليه من الصحابة، وذلك أنه وقع العقد له بالإمامة يوم السقيفة من البعض، والبعض الآخر بين مبايع له بعد يوم السقيفة وبين ساكت سكوت رضاَ، فكان إجماعاً على بيعته. وقال بعضهم: بل ثبتت إمامته بنص جلي من الرسول ÷، وهذا قول البكرية أصحاب بكر بن عبد الواحد. وقال بعضهم: بل ثبتت إمامته بنص خفي من الرسول ÷ وهو أنه ÷، قدمه للصلاة في مرضه. فهذا هو عمدة ما استدل به المثبتون لإمامة أبي بكر، وقد لزم من هذه الثلاثة الأقوال أنه لا دليل على إمامة أبي بكر سواها، وأن مجرد قيامه وانتصابه للأمر ليس بكاف في صحة إمامته؛ لذلك ضم كل منهم إلى القيام دليلاً آخر حسبما ذكر، ودل اختلافهم في هذه الثلاث الطرق أن أحدها غير متفق عليه؛ لأن المدعين للإجماع يقولون: إن الرسول ÷ لم ينص على إمام معين أصلاً، والقائلين بالنص الجلي أو الخفي إنما ادعوه حيث لم يصح لهم الإجماع، والقائلين بالنص الخفي إنما ادعوه لعدم صحة النص الجلي لديهم، ثم غير خاف أن صحة دلالة الأول من هذه الثلاثة وهو الإجماع متوقفة على عدم النص على غير أبي بكر؛ إذ قد تقدم أن ليس للأمة أن يختاروا إماماً غير من نص الله تعالى عليه، فأما الأخيران - وهما: قول مدعي النص الجلي، وقول