الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[العقل]

صفحة 65 - الجزء 1

  (فإن قيل لك: بم عرفت أنه خلقك؟ قلت:) أما كوني مخلوقاً - أي: موجوداً مقدراً بعد العدم المحض - فمعلوم (لأني لم أكن شيئاً) لأن الشيء كما سبق هو الموجود (ولم أكن موجوداً) ضرورة (ثم صرت شيئًا) أي: موجودًا، وكنت في أول وجودي نطفة من ماء (ولم أكن حيًّا ولا قادرًا) ثم صرت بعد ذلك حيًّا (قادراً) والحي: هو من يصح منه أن يقدر ويعلم، سواء كانت تلك الصحة لذاته كالباري تعالى أم لأجل الحياة المخلوقة فيه كغيره من الأحياء.

  والقادر: من يصح منه الفعل مع سلامة الأحوال، سواء كان يصح منه الفعل لذاته كالباري تعالى أو لأجل القدرة المخلوقة فيه كما في غيره من القادرين. (وكنت) حال الولادة طفلاً (صغيراً ثم صرت كبيراً، ولم أكن عاقلاً ثم صرت عاقلاً) والعاقل: هو من حصلت له علوم العقل العشرة.

[العقل]:

  والعقل في أصل اللغة: مأخوذ من عقال البعير لَمَّا كان يمنعه الذهاب، فشبه به العقل لما كان يمنع صاحبه الذهاب في المهالك، وهي ارتكاب القبائح وترك الواجبات.

  واختلف في العقل، فعند أهل الإسلام ما عدا المطرفية: أنه عرض في القلب. وعند المطرفية: أنه نفس القلب. وعند الفلاسفة: أنه جوهر بسيط في الدماغ. وعند الطبائعة: أنه طبيعة مخصوصة.

  والحجةُ لنا على أنه عرض أنه يزول عند النوم ونحوه ويعود عند اليقظة، فلو كان القلبَ أو جوهراً لما زال ثم عاد. وأما أن محله القلب فلا دلالة على محله إلا السمع، وقد قال تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا}⁣[الأعراف ١٧٩]، وفي آية: {لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}⁣[الحج ٤٦] ففيهما دلالة على أن العقل غير القلب، وإنما هو عرض في القلب؛ لأنه لما نفى الإعقال عنه تارة وأثبته أخرى دل على أنه غيره