[علوم العقل]
  وثامنها: العلم بالأمور الخِبْرِيَّة والمستفادة من جهة التجربة والعادة، نحو: أن النار تحرق القطن، والحجر تكسر الزجاج، والسم قاتل، وهذا لا يكون عدم العلم به قادحاً في العقل إلا بعد الخبرة، لا إذا جهلها في أول الأمر ثم علمها؛ ولهذا قيل لها: الخِبْرِيَّة.
  وتاسعها: العلم بوجوب بعض الأفعال، كرد الوديعة وقضاء الدين وشكر المنعم، وقبح بعضها، كالظلم والعبث والكذب والسفه، وحسن بعضها، كإرشاد الضال، وخساسة بعضها، كشكاسة الأخلاق، ونحو ذلك.
  وعاشرها: العلم بمُخبَر الأخبار المتواترة، كالعلم بوجود مكة والمدينة ومصر والكوفة ونحو ذلك، ويدخل في ذلك العلم ببعثة الأنبياء $، كالعلم ببعثة محمد ÷. قال أبو هاشم: وإنما يكون هذا من علوم العقل بعد البعثة بالشرائع؛ لأن في العلم به للمكلف لطفًا، فأما قبلها فعدمُ العلم بمخبر الخبر المتواتر غيرُ قادح في العقل. والجمهور على خلافه، فإنا نعلم إذا تواتر خبر لشخص ثم أنكره أنه إما ناقص عقل، وإما مكابر جاحد لما يعلمه ضرورة.
  وهي مترتبة في قوتها وحصولها للمكلف على هذا الترتيب، وقد نظمها على هذا الترتيب القاضي العلامة صارم الدين إبراهيم بن يحيى السحولي ¦ فقال:
  إليك علوم العقل منظومة على ... تراتيبها فاتبع بها الرَّسْمَ بالقلم
  فعلم بحال النفس ثم مشاهد ... بديهتها والحصر في سائر القِسَم
  تعلق فعل ثم قصد مخاطب ... جَليُّ أمور فاستمع نَظْمَ من نَظَمْ
  وثامنها علم اختبار وتاسع ... به ميز الإحسان عن ظلم من ظلمْ
  وآخرها علم التواتر رتبة ... بها كمل المقصود في حصرها وتمْ
  ثم اختلف المتكلمون هل العلم بهذه العشرة هو نفس العقل أم هو(١) معنىً
(١) أي: العقل.