[بقية الباب الثالث]
  أبي بكر أن يتقدم، وأرخى النبي ÷ الحجاب فلم يقدر عليه حتى مات، فإن كان هذا محمولاً على أنها قصة واحدة كما هو الظاهر لم يصح هذا الخبر؛ لمنافاته لما اتفقت عليه رواية الجميع السابق ذكرها، وإن حمل على أنها قصة أخرى فإما متقدمة فالثانية المتفق عليها ناسخة، مع أنه لا يصح ذلك؛ لقوله: فلم يقدر عليه - أي على الخروج أو على رفع الحجاب - حتى مات، وإما متأخرة فالله أعلم بالصحة؛ إذ لو ثبتت لاشتهرت وظهرت ونقلت برواية الموالف والمخالف، كما كان من شأن الأُولى المتفق على نقلها، ثم فرض أئمتنا $ فرضاً على سبيل الجدل والتنزل لو صحت هذه الرواية بأن قالوا: لو سلمنا أن رسول الله ÷ أمر أبا بكر أن يصلي بالناس ولم يعزله فالإمامة الصغرى بمعزل عن الإمامة الكبرى، فلا دلالة فيمن أمره النبي ÷ بأن يصلي بالناس على أنه إمام أعظم وخليفة للمسلمين بعد وفاته ÷؛ بدليل أن النبي ÷ قد أمَّر على الصلاة جماعة كابن أم مكتوم وهو أعمى لما خرج ÷ إلى أحد، وأمر عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل على الصلاة وغيرها، وكان أبو بكر وعمر من جنده يصليان بصلاته، وصلى ÷ خلف عبد الرحمن بن عوف في بعض أسفاره، أدرك معه ركعة من صلاة الصبح، وصلى خلف عتاب بن أسيد وهو أميره(١) على مكة بعد الفتح، وأيضاً فإن الصلاة تصح خلف العبد وولد الزنا والأعمى، بخلاف الإمامة الكبرى؛ فلا تلازم بينهما. قال في الإرشاد الهادي: وإنما حملهم على ذلك الميل عن واضحات الأدلة، واتباع الشبه المضلة، حكاه عن الأمير المؤلف #.
  فظهر لك أيها الطالب الرشاد أن هذه الشبهة أوهى من نسج العنكبوت، وهو بنص الكتاب لأوهن البيوت.
(١) في نسخة: آمره. وما أثبتناه من الإرشاد الهادي.