[بقية الباب الثالث]
  تبايع، فقال له علي #: إحلب حلباً لك شطره، وشد له اليوم ليرده عليك غداً، ثم قال: والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه، فقال له أبو بكر: فإن لم تبايع فلا أكرهك، فقال له أبو عبيدة بن الجراح: يا ابن عم، إنك حديث السن، وهؤلاء مشيخة قومك ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور، ولا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر منك وأشد احتمالاً واستطلاعاً له، فسلم لأبي بكر هذا الأمر، فإنك إن تعش ويطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق وحقيق في فضلك وعلمك ودينك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك، فقال علي كرم الله وجهه: الله الله يا معشر المهاجرين لا تخرجوا سلطان محمد في العرب من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم، وتدفعون أهله عن مقامه في الناس وحقه، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أحق الناس به؛ لأنا أهل البيت، وأحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بسنن رسول الله، المتطلع لأمر الرعية، الدافع عنهم الأمور السيئة، القاسم بينهم بالسوية، والله إنه لفينا، فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحق بعداً. فقال بشير بن سعد الأنصاري: لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلفت عليك.
  قال: وخرج علي كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله ÷ على دابة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا ابنة رسول الله ÷ قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به، فيقول علي كرم الله وجهه: فكنت أدع رسول الله ÷ في بيته لم أدفنه وأخرج أنازع الناس سلطانه، فقالت فاطمة &: ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم.
  قلت: تأمل أيها المنصف، وتنكر أيها المستوصف، وتدبر أيها العارف، أكان للقوم حجة على أمير المؤمنين بها يستوجبون عليه البيعة لهم؟ أم الأمر بالعكس؛ حيث إنهم