[بقية الباب الثالث]
  مطلبهما من الحق، يعني على زعم القاضي ومن وافقه، وهو البيعة لأبي بكر، وقد أريناك أيها الطالب الرشاد أن العقد في السقيفة لأبي بكر لا يكون له حكم ولا صحة شرعية إلا إذا اتبعه الرضا أو البيعة من سائر المسلمين، غير مكرهين ولا ملجئين، فكيف يجوز نحو هذه الأفاعيل المنكرة لفعل ما هو تتميم له وشرط فيه بأحد من المسلمين، فضلاً عن آل رسول الله ÷ الذين فرض الله مودتهم واحترامهم على أبي بكر وعمر من سائر الأنام، وقد أفاد هذا الكلام أن عليًّا # لم يبايع حتى ماتت الزهراء ونقلت إلى جوار أبيها صلوات الله وسلامه عليهما وعلى سائر آلهما إلى يوم الدين.
  ولعل أن مستبعداً يستبعد صدور ما ذكر من الوعيد بالقتل، وجمع حزم الحطب إلى باب فاطمة &.
  فيقال له: وما وجه ذلك الاستبعاد وقد رواه هذا المؤرخ المفرط في محبة أبي بكر وعمر، ورواه جماعة من أهل التواريخ والنقل، وانتشر وذاع كما ذكره ابن عبد ربه في كتابه العقد الفريد، مع أنه قد بلغ به التعصب إلى ذكر فضائل معاوية اللعين، وحكاه أئمتنا $ في كتبهم عن موالف ومخالف، وذكره ابن أبي الحديد في مواضع عديدة في شرح النهج، كما سننقل بعضاً من ذلك قريباً إن شاء تعالى.
  وبعد، فكيف يستبعد صدور ذلك عن أبي بكر وعمر ومن أعانهما على أمرهما مع أنهم قد اعتقدوا صحة إمامتهم ووجوب طاعتهم، وقد صدر ما هو أعظم منه وأجل خطباً وأكبر إثماً ممن هو أولى بأن يستبعد ذلك منه، وهو خروج عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة بعد البيعة والعهود الشديدة، فقدَّموها في جم غفير من الأجناد التي جمعوها من الغوغاء وأهل العمى في البصيرة، فقتلوا نيفاً وثلاثين رجلاً من أهل البصرة ومن الجند الذين فيها مع عاملها من طرف أمير المؤمنين، غدراً في الليل إلى مضاجعهم، فقتلوهم وأسروا العامل عثمان بن حنيف ¥، وحلقوا لحيته بعد العهود والمواثيق بينهم على دخولهم البصرة في