الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[العالم محدث]

صفحة 78 - الجزء 1

  المؤمنين #: (الروح شيء من مُلكه أودعه في مِلكه، وجعل له أجلاً معلوماً ورزقاً مقسوماً، فإذا فرَغ ما لَك عنده⁣(⁣١) أَخَذَ ما لَه عندك⁣(⁣٢)). ذريَّة بعضها من بعض، سلام الله عليهم جميعاً.

  (والأمل) وهو تحديث النفس وتوطينها على الأعمال الدنيوية المستقبلة، ولَمَّا كان بعضها لابد منه في تدبير معيشة الإنسان ومن يعوله لَمْ يرد الذم من الحكيم تعالى على لسان نبيه ÷ إلَّا على تطويل الأمل دون تقصيره، وهو ما يتعلق بإصلاح المعيشة في يومه والأيام القريبة منه، كأن يؤمل أنه غداً سيشتري طعاماً أو نحوه لعائلته، أو سيحرث الجربة الفلانية، أو نحو ذلك، وإنما المذموم التطويل بما وراء ذلك من طلب الزيادة على الحاجة وللأيام البعيدة؛ لأن ذلك فضول يكسب القلب همًّا واشتغالا بما لا يعني، ولعله لا يصل إليه، وفي الحديث أنه قال ÷: «إن شر ما أتخوف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل، فاتباع الهوى يصرف قلوبكم عن الحق، وطول الأمل يصرف هممكم إلى الدنيا، وما بعدهما خير⁣(⁣٣) لأحد في دنيا ولا آخرة»، وقال ÷: «مَثلُ الإنسان والأجل والأمل، فَمَثلُ الأجل خلفه، والأمل أمامه، فبينما هو يؤمل أمامه إذ أتاه أجلُه فاجتاحه»، وفي السنة كثير من ذلك.

  فثبت الأصل الأول، وهو اختلاف الأجسام والأعراض، على أنه معلوم ضرورة، لكن حَسُنَ بسط الكلام في ذلك لِمَا يتفرع عليه مما بعده من الاستدلال على إثبات الصانع المختار، وإبطال غيره - تعالى - من المؤثرات التي زعمها أهل الإلحاد.


(١) وهو الرزق.

(٢) وهو الروح.

(٣) «.. وما بعدهما من خير لأحد ..» (الأربعون السيلقية).