الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[بقية الباب الثالث]

صفحة 192 - الجزء 2

  أمره أن ينصب لهم من يقوم فيهم مقامه في إيضاح ما اختلفوا فيه من الحق والمفسدة، فأقام لهم من هو كنفسه، وكهارون من موسى إلا أنه لا نبي بعده، ونصب لهم سفينة نوح، وباب السلم المفتوح، وترك فيهم الثقلين، وألزمهم التمسك بذينك الحبلين، وأمنهم وقوع الافتراق إلى يوم التلاق، وفتح لهم باب حطة من دخله غفر له، وجعل الحسنين بعده & إمامين هاديين إلى الحق عند كل مشكلة، وجعل أهل بيته ÷ نجوماً يستضاءُ بها في كل عصر، وقرنهم بالكتاب، وأمن هذه الأمة بوجودهم من نزول العذاب في كل دهر، وأفترض مودة أهل بيته ÷ أجراً على التبليغ، وقال: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ}⁣[سبأ ٤٧]، وعلى الجملة فالأمر كما قال ÷: «ما تركت شيئاً يقربكم إلى الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به، ولا تركت شيئاً يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة إلا وقد نهيتكم عنه».

  فهذه مائة وخمسة وعشرون نعمة مما أنعم الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة ببعثة سيد المرسلين ورسالة خاتم النبيين ÷، اختص الصحابة رضي الله عن الراشدين منهم بمائةٍ وعشرٍ، وشاركوا سائر الأمة فيما عداها، فكان الحق عليهم لرسول الله ÷ أوجب، ورعاية هذه النعمة عليهم آكد منه على غيرهم من سائر الأمة، فما كان جزاؤه ÷ ما صدر منهم من التواثب على الأمر بعده ÷ وأهل بيته $ مشغولون بتجهيزه ودفنه، وما كان أجره ÷ التجمع عليهم وطلبهم البيعة لهم مع كونهم مصابين بموته ÷ الذي هو مصاب كل مؤمن، وما كانت مودتهم المفروضة عليهم التهديد والوعيد الشديد إن لم يسلموا الأمر إليهم، وما كان إغضاب فاطمة & التي هي بضعة من نبيهم ÷ ونزعهم ميراثها ونحلتها وسهم ذوي القربى مناسباً تجنب غضب الله ورسوله بإغضابها، وما كان التسبب على قتل ريحانتي رسول الله وعترة رسول الله ÷ إلى يوم الدين رأياً سديداً في العدول عمن اختارهم الله تعالى