الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في إمامة الحسنين بعد أبيهما $

صفحة 206 - الجزء 2

  ويمكن أن يقال: إنما لم تجب معرفة إمامة من ذكرتم من أهل البيت $ بعد الحسنين @ لأنه لا طريق إلى العلم بها إلا الاستناد إلى الظاهر، ولا يمكن القطع بصحة إمام بعينه عند الله تعالى؛ لأن القيام والدعوة مع الكمال لا يفيدان القطع على المغيب، لكن يجب معهما على المعاصر الانقياد والطاعة، والقول بصحة إمامة ذلك القائم استناداً إلى ظاهر حاله من دون قطع على مغيبه، فافترق الحال بين إمامة الحسنين وإمامة من بعدهما، فإن إمامة الحسنين @ مقطوع بصحتها في نفس الأمر؛ لثبوت عصمتهما والقطع على مغيبهما.

  وفيه أن غاية ما في هذا حصول العلم اليقين بصحة إمامتهما @، وليس كل ما حصل لنا العلم اليقين بصحته يجب علينا معرفته، فإنا نعلم وقوع الهجرة، وأنه ÷ كان قبلها غير مقتدر على نشر الإسلام، وأنه وقع بعدها انتشاره والقتال عليه حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً، ولا تجب معرفة هذه الأمور بلا تناكر بين أهل العلم.

  ويمكن أن يؤتى لأصل المسألة بجواب آخر، وهو أن إمامتهما @ مما بَلَّغ به الرسول ÷ إلى الأمة بقوله: «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، وأبوهما خير منهما»، فوجب تصديقه ÷ والاعتراف بما قاله، وفي ذلك وجوب المعرفة؛ ولهذا أن جميع الأمة يعرفون هذا الخبر، ولا يخالف في إمامتهما إلا أهل البغي والزلل مع عدم إنكارهم متن الحديث، ويصير حال هذه المسألة كسائر المسائل الاعتقادية التي بلغها الرسول ÷ وأوجب الإيمان بها، كمسألة الشفاعة والبعث ونحو ذلك، ولا يمتنع أن للمكلف في العلم بذلك لطفاً في مودتهما @ ومعاداة عدوهما لعنه الله تعالى، بل وفي فعل سائر الواجبات واجتناب المحرمات.

  فمهما رأيتَ محباً لهمْ ... فَثَّمَ الوفاءُ وثَمَّ الوقارُ⁣(⁣١)


(١) هذا البيت للصاحب ابن عباد من أبيات له.